علاء الأسواني: هل ينتصر الماضي على المستقبل ..؟
٢٩ يناير ٢٠١٩في شهر ديسمبر عام 1825 توفي قيصر روسيا ألكسندر الأول ثم تولى العرش أخوه نيقولا الأول. تم الاحتفال بتنصيب القيصر الجديد ولكن حدث ما لم يتوقعه أحد، فقد أعلنت مجموعات من المدنيين والعسكريين تمردها ضد القيصر الجديد ورفضوا تنصيبه وطالبوا بتنصيب أخيه قسطنطين كما طالبوا بكتابة دستور وتكوين حكومة ديمقراطية. كانت روسيا في ذلك الوقت خاضعة تماما لحكم القيصر والكنيسة، ووفقا لنظام الرق الرسمي كان هناك ملايين الفلاحين العبيد. عرف المتمردون باسم "الديسمبريين" وقد أعطى القيصر نيقولا الأول أوامره بإطلاق النار على "الديسمبريين"، فسقط منهم قتلى كثيرون ثم قبض على من تبقى وأعدم عددا منهم وأرسل الباقين إلى سجون سببيريا.
أدت حركة الديسمبريين إلى تشديد قبضة القيصر على البلاد، فمارس على الشعب قمعا غير مسبوق، على أن الثورة التى بدأها الديسمبريون لم تنته، فبين عامي 1826 و1854 حدثت 217 انتفاضة قام بها الفلاحون ضد ملاك الأراضي. كانت الثورة تعكس صراعا بين ثقافتين: الثقافة القديمة التى تعتبر أن واجب أفراد الشعب أن يخضعوا تماما لحكم القيصر والكنيسة وثقافة الثورة التي تطالب بمفهوم حقيقي للمواطنة وفقا لدستور يحكم العلاقة بين القيصر والشعب. ظلت روسيا تنتفض مرة تلو الأخرى على مدى عقود، حتى نجحت الثورة أخيرا في الوصول إلى السلطة والإطاحة بالقيصر عام 1917.
ما حدث في الثورة الروسية تكرر في كل الثورات: تقوم الثورة، فتحاربها القوى المضادة لها وتتمكن من قمعها حتى يبدو الأمر وكأن الثورة قد انتهت، لكنها تستمر برغم القمع ثم تنتصر في النهاية. ليست الثورة مجرد مظاهرات وإضرابات، لكن الثورة وعي جديد يكتسبه أفراد المجتمع ويستحيل إلغاؤه. الثورة معناها أن الظلم الذى تواءمت معه طويلا لم يعد بإمكانك أن تقبله. معناها أن تطمح إلى العدل والحرية وتريد أن تكون مواطنا وليس أحد الرعايا، تريد أن تعاملك السلطة باحترام، تريد حقك في تعليم مجاني جيد وعلاج مجاني محترم ومسكن يليق بالآدميين، تريد أن تختار رئيس الدولة وتعرف مقدار ثروته وكيف كونها وتريد أن تحاسبه على سياساته وعلى إنفاقه من المال العام الذي هو مالك الذي تدفعه من ضرائبك، تريد أن يتوقف الاعتقال والتعذيب وأن يحاكم كل من قتل متظاهرين أبرياء وكل من تورط في التعذيب.
الثورة معناها أن يتساوى الجميع أمام القانون، فلا يوجد في البلد "جهات سيادية" ولا أسياد وعبيد ويتساوى الجميع في فرص العمل، فيكون الترقي وفقا للجدارة وليس وفقا لعلاقتك بالنظام. يستحيل على من امتلك وعي الثورة أن يتخلى عنه. عندما تحدث الثورة يتغير كل شيء إلى الأبد.
ثمانية أعوام مضت على الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك، ومنذ اليوم الأول بعد التنحي نفذت الدولة العميقة مخططا دقيقا للقضاء على الثورة: تحالف المجلس العسكري مع الإخوان المسلمين لتعطيل مسار الثورة مقابل ضمان وصولهم للسلطة التى يحلمون بها وتم تنفيذ عدة مذابح للقضاء على الثوريين مثل مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وبورسعيد وغيرها. تم إنفاق ملايين الجنيهات على قنوات تلفزيونية ومواقع الكترونية استعملتها أجهزة الأمن لتشويه سمعة الثوريين ووصمهم بالعمالة والخيانة، كل ذلك مع افتعال حالة من الفوضى والانفلات الأمني حتى يكره المصريون الثورة التى قامت من أجلهم وكما قفز الإخوان على ثورة يناير، قفز النظام القديم على انتفاضة 30 يونيو وشكل ديكتاتورية هي الأكثر قمعا في تاريخ مصر.
وصول الثورة المضادة إلى السلطة حدث في كل الثورات تقريبا، لكنه لم يؤد قط إلى هزيمة الثورة لأنه لاشيء بمقدوره أن ينزع عن الناس الوعي الجديد الذى اكتسبوه ...اللواءات الذين يحكمون مصر الآن يحاولون إلغاء ثورة يناير والاحتفال بعيد الشرطة بدلا منها . هذه المحاولات الصبيانية تنم عن سذاجة وجهل لأن ثورة يناير اشترك فيها ملايين المصريين الذين لازالوا على قيد الحياة وقدمت آلاف الشهداء والمصابين، مما يجعلها حدثا تاريخيا فريدا عظيما لا يمكن نسيانه أو إلغاؤه. لازالت معركة الثورة ضد النظام القديم في بدايتها وعلينا إذن أن نستعد لجولة جديدة قادمة لامحالة وقد تكون هي الحاسمة.
علينا أن نتوحد جميعا على أهداف الثورة ونسترجع جيدا الدروس التى تعلمناها: تعلمنا ان الجيش المصري الذي نعتز به جميعا يجب أن يتفرغ لأداء واجبه في حماية الوطن لأن الحكم العسكري منذ عام 1952هو السبب في وصولنا للحضيض في كل المجالات. .. تعلمنا أن الإخوان المسلمين قوة رجعية لا يمكن الوثوق بها في عمل ثوري، الإخوان مستعدون دائما لخيانة الثورة من أجل السلطة التى يتوهمون أنها ستحقق حلمهم في استعادة الخلافة الإسلامية (وهذا وهم كبير، فالخلافة تاريخيا لم توجد أصلا حتى يستعيدها أحد) .. تعلمنا أن المواطن البسيط يهمه في المقام الأول احتياجاته اليومية ونتيجة لعقود من الاستبداد والتجهيل فهو لا يرى العلاقة بين الحرية ولقمة العيش، لكن إذا تعذرت لقمة العيش سوف ينضم للثورة حتما.
شباب الثورة أنبل وأشجع المصريين وأكثرهم وعيا لايجب أن يشعروا بالإحباط، فالثورة ليست لحظة عابرة وإنما فترة ممتدة بدأت ولن تنتهي إلا بتحقيق أهداف الثورة. معركة الثورة ليست سهلة لكن انتصارها مؤكد وفقا لقوانين التاريخ. القوى المضادة للثورة تمتلك الإعلام والقوة المسلحة والثروة وفي المقابل لايملك الثوريون إلا وعيهم وشجاعتهم، لكن الثورة تنتمى إلى المستقبل والقوة المعادية لها تنتمي إلى الماضي ويستحيل على الماضي أن يهزم المستقبل
الديمقراطية هي الحل [email protected]
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW .