1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: من يرفض صحبة السلطان .. ؟!

علاء الأسواني
١٨ ديسمبر ٢٠١٨

في مقاله* لـDW يشرح علاء الأسواني علاقة المبدعين العرب بالسلطة.

https://p.dw.com/p/3AEaS
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

كان أبو الطيب المتنبي (915 ــــ965 ) من أعظم شعراء اللغة العربية على الإطلاق وقد أثرى الأدب العربي بقصائد خالدة رائعة. هكذا تعلمنا في المدرسة، لكننا نادرا ما سألنا: ماذا كان مصدر رزق المتنبي؟  الإجابة: كان المتنبي يعيش على عطايا الملوك الذين يمدحهم في قصائده، فقد عاش سنوات في بلاط سيف الدولة الحمداني (916 ــ 967) حاكم حلب وكتب قصائد عظيمة في مديحه وتلقى منه العطايا  وعندما أحس المتنبي بفتور سيف الدولة نحوه غادر حلب وذهب إلى مصر، فمدح حاكمها كافور الإخشيدي (905 ــــ 968)، ثم انقلب عليه وهجاه واضطر إلى مغادرة مصر.

كانت مهنة المتنبي التي عاش منها هي مديح الملوك مقابل المال. المديح هنا ليس إلا نفاقا صرفا حتى وإن كان في شكل شعر رائع، بدليل أن المتنبي كان ينقلب على الملك الممدوح إذا لم يجزل له العطاء. لم تكن هذه مهنة المتنبي وحده بل كان ذلك النمط السائد في علاقة الشعراء العرب بالملوك وكثيرا ما كان الشاعر يبالغ في النفاق حتى يتفوق على منافسيه حتى إن الشاعر ابن هانيء الأندلسي (937 ــــ 973) كتب قصيدة مديح في الخليفة الفاطمى المعز لدين الله (932 ـــ 975) قال  فيها:

ماشئت لا ما شاءت الأقدار ..فاحكم فأنت الواحد القهار

هذا النفاق الشعرى كان مقبولا من الجميع، فالملك يحبه ويكافيء عليه والشاعر يعتبره إبداعه الفني والجمهور يعشقه لأنه شعر جيد فيحفظه ويردده وهو يعلم أنه محض نفاق. لم تكن الحضارة العربية وحدها في هذا التقليد، ففي العصور القديمة كان الفنانون الأوروبيون يعيشون في رعاية الحكام والأمراء.

 في العصر الحديث، تخلص الغرب تماما من تبعية الفنانين للملوك بينما نحن العرب لازلنا ــ غالبا ــ نحمل ثقافة مديح الملوك. في محاولة منه لتحسين صورته القبيحة أمام العالم، نظم معمر القذافي جائزة أدبية كبرى وفي عام 2009 تم الإعلان عن الفائز، فكان الكاتب الإسباني غويتيسولو الذي أعلن فورا رفضه للجائزة لأنها ضد مبادئه حيث أنها مقدمة من حاكم مستبد سفاح. بعد هذا الرفض المدوى عرضت لجنة التحكيم الجائزة على الناقد المصري جابر عصفور، فقبلها فورا وسافر لاستلامها وصحبه إلى ليبيا ثلاثة من كبار الأدباء المصريين تباروا جميعا في مديح القذافي.

الموضوع هنا يتعدى سلوك الأشخاص إلى مفهوم سائد بين المبدعين العرب يجعلهم يفصلون بين الإبداع الفني والمواقف العامة. بالطبع هناك أدباء وفنانون عرب قاوموا الطغيان ودفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم، على أن هؤلاء يظلون في إطار الاستثناء الذى يؤكد القاعدة ولا ينفيها. إن كبار الفنانين المصريين الذين تباروا في مديح الملك فاروق هم أنفسهم الذين أبدعوا أعمالا في مديح عبد الناصر الذى أطاح بحكمه،  كما أن المهرجانات الأدبية التى كان ينظمها الطغاة العرب مثل صدام والقذافي كانت تجذب اليها دائما  أكبر الأسماء في الثقافة العربية.

عندما قامت ثورة يناير ضد نظام مبارك وقف ضدها معظم الممثلين والمغنين في مصر بل ان أدباء وفنانين سوريين اشتهروا بدفاعهم عن قيم الإنسانية لم يجدوا حرجا في تأييد بشار الأسد وهو يقتل الآلاف من أبناء شعبه باستعمال الأسلحة المحرمة دوليا. هنا تواجهنا الحقيقة: نحن العرب برغم أخذنا بمظاهر الحداثة لازلنا بعيدين عن جوهرها. إننا نستعمل أحدث المخترعات الغربية لكننا كثيرا ما نتصرف وفقا للثقافة العربية القديمة كأننا لازلنا نعيش منذ عشرة قرون.

لازال معظم المبدعين العرب لايرون غضاضة في مديح الطاغية تماما كما كان أجدادهم الشعراء يمدحون السلطان طمعا في عطاياه ويتجاهلون جرائمه ويصمون آذانهم عن صراخ ضحاياه. إن كثيرين من المبدعين العرب لا يعتبرون نفاقهم للطاغية عارا أو جريمة بل إنه في رأيهم لا ينتقص من قيمتهم الأخلاقية. إنهم يعتبرون نفاق الحاكم نوعا من المجاملة الضرورية أو طريقة لدفع الأذى أو وسيلة مشروعة لنيل حقوقهم كفنانين موهوبين.

 على أن المشكلة لا تكمن فقط في سلوك المبدعين العرب وإنما أيضا، وربما أولا، في فهم الجمهور لواجبات المبدع. فكما تساهل العرب القدماء مع شعرائهم المنافقين واحتفوا بقصائدهم، فإن الجمهور العربي يحتفى بمبدعيه المنافقين ويتجاهل مواقفهم المشينة في تأييد الطغاة. إن اندلاع الثورات العربية المتلاحق في عام 2011 إنما دل على أن الأنظمة المستبدة التى حكمت العالم العربي بعد الاستقلال قد انتهى عمرها الافتراضى وإن سقوطها مسألة وقت، على أن تعثر الثورات العربية وإخفاقها حتى الآن في تحقيق أهدافها إنما يدل من ناحية أخرى على أن الثقافة الجديدة التي صنعت الثورة ليست هي الثقافة الغالبة في المجتمع العربي وإنما تعاديها ثقافة أخرى رجعية تشكل وعي غالبية العرب دينيا وسياسيا.

إن معركة التغيير في جوهرها ليست إلا صراعا بين ثقافة المستقبل وثقافة الماضي. هنا يصبح من الضروري كتابة عقد ثقافي جديد سيكون من أهم شروطه نسف ثقافة مديح السلطان ومحوها من العقل العربي. منذ الآن فصاعدا يجب أن يحاسب العرب مبدعيهم ليس على جودة أعمالهم الفنية فقط وإنما على مواقفهم في المجال العام أيضا. إن الموهبة الفنية مهما كانت قوية وأصيلة لا تغتفر أبدا تقاعس الفنان عن أداء واجبه في التصدى للقمع والدفاع عن حقوق الإنسان. عندما يخرج الفنان العربي من صحبة السلطان ليقف في الصف الأول من الثورة، عندئذ فقط ستبدأ النهضة العربية.

الديمقراطية هي الحل

 [email protected]

 

*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.