علاء الأسواني: ماذا نتعلم من بنايوتي مافروماتي..؟!
٨ يناير ٢٠١٩لا أعتقد أنك سمعت عن هذا الاسم.. بنايوتي مافروماتي ..
PANAYOTIS MAVROMATIS
بنايوتي هو شاب يوناني ولد ونشأ في مدينة بورسعيد وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي من فرنسا وبريطانيا واسرائيل في عام 1956. احتل الجيش البريطاني بورسعيد فتكونت فرق للمقاومة الشعبية ومن ضمنها فرقة لليونانيين الذين قرروا أن يقاتلوا دفاعا عن مصر وسقط منهم مصابون وشهداء لانعرف عنهم شيئا. الوحيد الذى ذكره بعض المؤرخين هو بنايوتي مافروماتي الذي وهب حياته دفاعا عن البلد الذي عاش فيه حياته. جاء ذكر بنايوتي في فيلم تسجيلي بعنوان "مصر الوطن الآخر" (انتاج قناة الجزيرة)..في هذا الفيلم نرى كيف عاش اليونانيون في مصر على مدى أجيال واعتبروها وطنهم الثاني. في بداية القرن العشرين عندما كان عدد المصريين نحو 10 مليون كان هناك 200 ألف يوناني في مصر. اليونانيون أضافوا الكثير للاقتصاد والصناعة في مصر واعتبروا أنفسهم مصريين لدرجة أنه عندما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس وانسحب المرشدون الأوروبيون من القناة حتى يفشل المصريون في ادارتها رفض المرشدون اليونانيون الانسحاب وانضموا إلى العمل بجوار المرشدين المصريين ونجحوا فعلا في ادارة القناة.
أتمنى أن نفعل شيئا لتخليد ذكرى البطل الشهيد بنايوتي مافروماتي وأن نستوعب درس التاريخ فقد ظلت مصر على مدى قرون بلدا مستقبلا للمهاجرين اليونانيين والايطاليين والأرمن والفرنسيين، ولم يكن اليهود يعتبرون أجانب بل كانوا مواطنين مصريين يعتنقون الديانة اليهودية مثلهم مثل المصريين الاقباط والمسلمين. كان هذا التنوع الثقافي يمنح المصريين فكرا حضاريا ويعلمهم ثقافة التسامح واحترام الاختلاف بالاضافة للاستفادة من الخبرات الاجنبية في كل المجالات. ثم ماذا حدث؟ استولى الجيش على الحكم في عام 1952 فتم طرد الاجانب من مصر.
بعض الأجانب تم ترحيلهم فورا بدعوى خطورتهم على الأمن القومى (بدون محاكمة) وغالبية الأجانب تم التضييق عليهم بحيث لم يعد أمامهم سوى الرحيل. ماذا تفعل اذا ترك لك أبوك محلا تجاريا كبيرا أنشأه بجهده وماله وبينما أنت تدير المحل يظهر ضابط فجأة ويطلب منك مفاتيح المحل لأنه تم تأميمه وأصبح ملك الحكومة ثم يعينك مستشارا له بمرتب؟!، هذا ما حدث لآلاف الاجانب الذين تم انتزاع محلاتهم ومصانعهم وشركاتهم منهم وبالتالي تم طردهم من مصر حتى وان لم يصدر قرار رسمي باستبعادهم. أضف إلى ذلك حالة العداء للأجانب التي نشرها الاعلام الناصري بحيث أصبح كل أجنبيا جاسوسا محتملا.
الغريب والمحزن أن الحكم العسكري الذي طرد الأجانب في الخمسينيات من القرن الماضي عاد بعد عشرين عاما في السبعينيات وسعى بكل جهده، ولايزال، لاجتذاب استثمارات أجنبية كانت بالفعل موجودة ومزدهرة في مصر لكن الديكتاتورية العسكرية الفاشلة تسببت في ضياعها. هل نتحدث هنا عن تاريخ قديم انتهى؟ للأسف لازلنا تحت الحكم العسكري منذ 1952. لازلنا نعيش نفس التجربة بنفس الظروف ونرتكب نفس الأخطاء والعجيب اننا نتوقع نتائج مختلفة.
السيسي هو الحاكم عسكري لمصر يتصرف في شؤونها كما يريد ووفقا لرأيه وحده ويبدد مليارات الجنيهات في مشروعات ضخمة اعترف بنفسه ان معظمها بلا دراسات جدوى. ارتفعت ديون مصر إلى أرقام مفزعة غير مسبوقة لكن السيسي لازال يحتفل بمشروعاته وسط الطبالين والأفاقين واعلام المخابرات الذي يسعى لاقناعنا بعبقرية السيسي. نفس اعلام المخابرات الذي أقنعنا في عام 1967 اننا سنقضي على اسرائيل في أيام معدودة ثم أفقنا على هزيمة منكرة لم تحدث لمصر في تاريخها لازلنا نعاني من آثارها حتى اليوم.
بعد عقود من الحكم العسكري الذي أوصلنا إلى الحضيض في كل المجالات آن الأوان أن نستوعب الحقيقة: ان المشكلة ليست في شخصية الديكتاتور وانما في نظام الاستبداد الذى لابد أن ينتهى بكوارث. للأسف لازال هناك قطاع من الشعب يحب الديكتاتور ويؤمن به ويتجاهل فشله ويبرر قمعه. الذين هللوا لعبد الناصر رغم الهزيمة والقمع البشع الذي مارسه، هم تماما مثل الذين يؤمنون ان مشروعات السيسي غير المدروسة ستحدث النهضة في مصر. يجب أن نتعلم أن التقدم مستحيل بدون ديمقراطية حقيقية وأن فكرة الزعيم الملهم الذي يعرف كل شيء، الذي نترك له بلادنا أمانة بين يديه ولا يجوز لنا أبدا أن نحاسبه وفكرة الزعيم الذي يمثل الوطن وكل من يعارضه خائن.
هذه الأفكار البائسة المتخلفة قد انتهت من العالم كله ماعدا بلادنا المنكوبة بالاستبداد. يعلمنا التاريخ ان النهاية الحتمية لحكم الديكتاتور كارثة. أي ديكتاتور مهما كان مخلصا أو كفئا انما ينتهك انسانيتنا ويحتقرنا حتى لو تظاهر بالعكس وهو يحيلنا إلى ما يشبه قطيعا من المفعول بهم بلا رأى ولا موقف ولا كرامة . الحرية وحدها هي ما تجعلنا نتمتع بالانسانية. فلنتعلم من نضال أجدادنا. في عام 1930 عندما ألغى الملك فؤاد العمل بدستور 1923 ثار المصريون جميعا لمدة خمس سنوات كاملة (باستثناء الاخوان المسلمين الذين تحالفوا كالعادة مع السلطة) حتى اضظر الملك إلى اعادة العمل بالدستور في عام 1935. النظام في مصر يستعد الآن للعبث بالدستور حتى يظل السيسي في الحكم مدى الحياة. انه التصرف المعتاد من كل ديكتاتور فهكذا فعل عبد الناصر والسادات ومبارك . يجب الا نسمح لأحد بالعبث بالدستور ويجب أن يكمل السيسي فترته الثانية ويترك السلطة لانتخابات محترمة تأتي بشخص جديد إلى الحكم. هذا الطريق الوحيد لبناء المستقبل.
الديمقراطية هي الحل
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.