القلق الإسرائيلي في الجولان بين النصرة وحزب الله
١٣ فبراير ٢٠١٥غيرت الحرب في سوريا من خريطة توزيع القوة على الأرض فيها، من دولة مركزية لها سيادة على كل أراضيها إلى أرض تتقاسمها جماعات مسلحة، معارضة للسلطة في دمشق ومعارضة لغيرها من الجماعات المسلحة. الكل يعارض الكل، ويتحالف البعض مع البعض ضد البعض. لكن جزءاً من أرض سوريا لم تطرأ عليه تغييرات، وهي هضبة الجولان التي تحتل إسرائيل الجزء الأكبر منها بعد حرب حزيران67وحرب عام 1973. هذه الجبهة كانت هادئة طيلة حوالي أربعين عاما. لكن الهدوء المخيم عليها اختفى بعد سيطرة قوى معارضة ومنها جبهة النصرة – فرع القاعدة في سوريا على الجانب السوري من الهضبة نهاية عام 2014. والذي أثار القلق الإسرائيلي حينها. ثم جاءت الأنباء بالأمس تتحدث عن استعادة الجيش السوري بمساعدة مقاتلين من حزب الله اللبناني لأربعة تلال وثلاث بلدات في الهضبة.
تأثير هذا التغيير لا يمس الجانب السوري فقط، الذي تمكن بذلك من تأمين المناطق جنوب العاصمة دمشق، بل يمس الجندي الإسرائيلي الذي يراقب الحدود الملتهبة على الجانب الآخر.
فالجيش السوري، الذي عاد وسيطر على هذه المناطق، لم يعد هذه المرة لوحده. بل أن حزب الله وعناصر إيرانية تتواجد على الحدود الإسرائيلية مباشرة. الأمر الذي يدفع المسؤولين الإسرائيليين للقلق، خاصة بعد تصريحات زعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نص الله، بعد مقتل عناصر من الحزب، ومحمد علي دادي القائد الرفيع في الحرس الثوري الإيراني في الجولان بغارة إسرائيلية الشهر الماضي. فقد قال حسن نصر الله بعد عملية شبعا، التي استهدف فيها الحزب دورية إسرائيلية، إن الحزب سيرد على أي اعتداء إسرائيلي في المستقبل "في أي مكان وزمان" من دون الالتزام بساحات المواجهة الحالية.
محلل الشؤون العسكرية في الإذاعة الإسرائيلية إيال عاليما قال في حوار مع DWعربية إنه "يجب أن نأخذ بجدية ما يقول حزب الله نفسه، حيث تعهد بفتح جبهة ضد إسرائيل. عندما قال إن الحدود اللبنانية والسورية أصبحت جبهة موحدة، وسيخوض القتال عن طريق هذه الجبهة الموحدة ضد إسرائيل".
كما أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تطرقت هي الأخرى إلى التطور الأخير على الحدود مع سوريا. وأشارت إلى أن التواجد الإيراني وتواجد مقاتلي "حزب الله" على الجبهة السورية في الجولان يهدف إلى تحقيق هدفين: حماية نظام الأسد، وفتح جبهة جديدة للمقاومة تكون متحررة من الضغوط والاعتبارات اللبنانية الداخلية لـ"حزب الله" رداً على الاعتداءات الإسرائيلية.
"فك قواعد الاشتباك"
كان نصرالله قد تحدث يوم (30 كانون الثاني/ يناير) الماضي في خطاب ألقاه أمام حشد من مناصريه عبر شاشة عملاقة في احتفال أقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت تكريما لعناصر حزبه الستة والمسؤول العسكري الإيراني، عن أن رد الحزب على أي هجوم إسرائيلي جديد ضد حزبه لن يكون محصورا بجبهة جنوب لبنان، مضيفا أن "قواعد الاشتباك" مع إسرائيل سقطت إثر غارة القنيطرة. وقال "لم يعد يعنينا أي شيء اسمه قواعد اشتباك، ولا نعترف بقواعد اشتباك. لم نعد نؤمن بتفكيك الساحات والميادين. ومن حقنا الشرعي والأخلاقي والإنساني والقانوني أن نرد في أي مكان وفي أي زمان وكيفما كان".
تصريح واضح بإلغاء أسلوب المواجهة المعتاد بين حزب الله وإسرائيل، الذي يقول عنه العميد اللبناني المتقاعد ورئيس تحرير موقع الأمن والدفاع العربي ناجي ملاعب في حوار مع DWعربية: "كان هناك في لبنان التزام غير معلن بين إسرائيل والمقاومة الإسلامية بعد عملية عناقيد الغضب عام 1996، والتي بموجبها وافقت إسرائيل على اعتبار العمليات متماثلة. أي عند قصف مدنيين من طرف يقصف الطرف الثاني مدنيين وهذه إحدى قواعد الاشتباك"، التي ألغيت، حسب السيد حسن نصر الله. ويضيف العميد ناجي ملاعب "السيد حسن نصر الله تحدث أخيرا عن فك قواعد الاشتباك، وما يقصده أن القتال يمكن أن يحدث في الداخل ويستهدف إي إسرائيلي في العالم، إذا جرى استهداف أي من عناصرنا أو قادتنا. استهدفتم قادتنا في القنيطرة، لنا الحق أن نستهدف أي إسرائيلي خارج إسرائيل أو داخلها". ويعني بذلك جبهة الجولان السورية.
"استحضار العامل الإسرائيلي"
مصدر عسكري سوري قال إن "هدف العمليات التي يقوم بها الجيش في ريف درعا والقنيطرة هو تأمين الحدود مع الدول المجاورة وكسر الشريط الذي يحاولون إقامته". هذا بالنسبة للجانب السوري، الذي إذا ما نجح في السيطرة على المنطقة بكاملها، يكون قد أمّن جنوب العاصمة دمشق. لكن هذا ليس كل ما قد يصب في مصلحة دمشق. إذ يرى العميد ملاعب أنه بعد عملية القنيطرة الإسرائيلية وعملية شبعا من جانب حزب الله، أثبت الحزب أن استحضار العامل الإسرائيلي يساعده في تغيير مستوى وأداء الجيش السوري ضد المعارضة السورية". ويعني بذلك "عندما ينجح حزب الله مدعوما من محور المقاومة في عملية شبعا. سيعني ذلك إعادة احتضان شعوب المنطقة لحزب الله من جديد". كما أن "ضرب جبهة النصرة في الجولان من قبل حزب الله والجيش السوري، هو رسالة للشعب السوري، أن جبهة النصرة تعمل كجدار طيب يحمي إسرائيل. أي أن هؤلاء (جبهة النصرة والمعارضة) يتعاملون مع العدو الإسرائيلي ضد العرب. هذا الاستحضار هو محاولة ذكية من قبل محور المقاومة". حسب خبير الشؤون العسكرية اللبناني.
ويوضح الخبير اللبناني أكثر مفهوم " الجدار الطيب" بقوله: "السلطات الإسرائيلية حاولت تقديم عروض لجبهة النصرة، كتقديم مواد طبية ومعالجة مصابي المعارضة. وهذا قد يتطور إلى (جدار طيب) مماثل لما كان يجري في الجنوب اللبناني بعد عام 1976 والأحداث التي حصلت بين الفلسطينيين والشيعة في لبنان. عندما شكلت إسرائيل ما يعرف بالجدار الطيب لتقديم المساعدة لجيش سعد حداد وبعده أنطوان لحد، والذي كان جيشا عميلا للوجود الإسرائيلي". حسب العميد ملاعب، الذي يضيف "إسرائيل تحاول خلق هذا الجدار، لكن النصرة ليست جيش سعد حداد ولا قوى نظامية، هي قوى إسلامية متشددة لا تنظر لإسرائيل نظرة صداقة".
"بين السيئ والأسوأ"
توقيت فك هذه القواعد ومكانها مفتوح، حسبما يرى خبراء الأمن، والجولان قد أصبح، مثلما ترى مصادر إسرائيلية، جبهة ممكنة لتحرك حزب الله ضدها. محلل الشؤون العسكرية في الإذاعة الإسرائيلية إيال عاليما تحدث عن حذر إسرائيلي مسبق تجاه هذه الجبهة. وقال: "هذه التحضيرات تتطابق مع التقييمات الاستخباراتية في إسرائيل في أن يحاول حزب الله في ظروف معينة، أي يعني غداً أو بعد أسبوع أو شهر، فتح جبهة على الحدود السورية، احتمال القيام بعمليات عسكرية قائم".
ويبدو أن على إسرائيل أن تختار بين مواجهة مؤجلة ربما، مع جبهة النصرة، وبين مواجهة قائمة فعلا مع حزب الله، لكن على جبهة جديدة. ويشير رئيس تحرير موقع الأمن والدفاع العربي العميد ملاعب إلى "تقرير في عام 2012 صدر عن شعبة الاستخبارات الإسرائيلية يحذر من سيطرة جماعات إسلامية متشددة على حدودها في جبهة الجولان السورية". ويضيف "هم يرتاحون من وجود الجيش السوري، وبالتالي أي عمل على الحدود تستطيع الحكومة الإسرائيلية تحميل سوريا مسؤوليته".
ويبدو أن الخيار الإسرائيلي قد أصبح صعبا. فعليها أن تختار بين "السيئ والأسوأ" حسب محلل الشؤون العسكرية في الإذاعة الإسرائيلية". الذي يضيف "جبهة النصرة في سوريا في الوقت الحالي منشغلة في الحرب الداخلية الأهلية، لكن ربما في مرحلة ما ربما تحاول أن توجه ضرباتها إلى إسرائيل". كما أن "النظام السوري هو جزء من (محور الشر)، ويعني إيران وحزب الله، وبهذا فإن الخيار بين السيئ والأسوأ". حسب إيال عاليما، الذي يشير بوضوح إلى أن "إسرائيل ستتعامل مع الطرفين حسب مصالحها وحسب الظروف التي تفرضها المواجهات العسكرية".