الاتحاد الأوروبي يدشن مبادرة "الشراكة الشرقية" في ظل غياب أبرز قادته
٧ مايو ٢٠٠٩عقد الاتحاد الأوروبي اليوم الخميس 5 مايو/آيار قمة رفيعة المستوى مع ست من دول الاتحاد السوفيتي السابق وهي أرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية أن الاتحاد دشن خلال تلك القمة مبادرة "الشراكة الشرقية" التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في دول الجوار السوفيتية السابقة من خلال توطيد علاقتهم على نحو أكثر بالاتحاد ومعاييره. كما نقلت الوكالة نفسها عن مسؤولي الاتحاد قولهم إن الشراكة مع تلك الدول الست ينبغي أن تشجعها على تفعيل إصلاحات تعزز الديمقراطية وسياسة السوق الحر، في مقابل تحسين فرص السفر ودخول أسواق الاتحاد الأوروبي على نحو أفضل.
"الشراكة الشرقية" قد تشجع الدول الستة على حل مشاكلها الداخلية
من ناحية أخرى، يأمل الدبلوماسيون الأوروبيون أن تشجع الشراكة الشرقية الدول الست على حل المشاكل فيما بينهم، وأبرزها العلاقات المتجمدة بين أرمينيا وأذربيجان على خلفية النزاع على إقليم ناجونوكاراباخ. كذلك يأمل الاتحاد الأوروبي في تعميق أواصر الصلة مع دول الاتحاد السوفيتي السابق الست من خلال عرض اتفاقية طويلة المدى على كل واحدة منها، بالإضافة إلى اتفاق تجارة حرة وإلى تخفيف قواعد منح تأشيرات الدخول.
لكن الخلاف مازال قائماً بين دول الشراكة الست والاتحاد الأوروبي حول عدة نواحي رئيسية في الاتفاقية. ووفقاً لدبلوماسيي الاتحاد، فإن أذربيجان تعارض فكرة التعاون بين الشركاء، بسبب صراعها مع أرمينيا، فيما تتوخى أذربيجان وأرمينيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا "الحذر"، حيال مسألة تعزيز مؤسسات المجتمع المدني. في الوقت نفسه، يبذل الشركاء الستة ضغوطاً متواصلة على الاتحاد الأوروبي للحصول على وعد بمنحهم تأشيرات سفر مجانية كجزء من الحزمة، وهو ما تعارضه الدول الأعضاء في الاتحاد بشدة.
بداية لعلاقات معمقة
وفي لقاء أجرته معه إذاعة WDR (في.دي.ار) الألمانية، صرح يان أسيلبورن، وزير خارجية لوكسبورغ بأن "الاتحاد يطمح إلى ضمان أمنه على الجهة الشرقية من حدوده، كما أنه يسعى أيضا إلى مساعدة هذه البلدان على تعزيز الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان داخلها". ووصف أسيلبورن مشروع الشراكة الشرقية مع دول الاتحاد الأوروبي بأنه مرادف لمشروع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "الاتحاد من أجل المتوسط" في الجنوب على أن تكون اتفاقية "الشراكة الشرقية" مدخلا لشراكة معمقة تنتهي باتفاقيات التعاون والتبادل الحر.
و في رد فعله على تأسيس برنامج "الشراكة الشرقية"، أعرب ميرك توبولانك رئيس وزراء التشيك عن اعتقاده بأن هذا البرنامج يصب في مصلحة الاتحاد. وقال توبولانك، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس في أعقاب تأسيس البرنامج: "من المصالح الحيوية للاتحاد الأوروبي أن يكون له شركاء مستقرون أصحاب قيادة حكومية رشيدة تحترم حقوق الإنسان وتعمل على جعل المنطقة أكثر أمنا". وأضاف توبولانك: "لا يمكن أن نتصرف ببساطة وكأنه لا شيء موجود في شرق الاتحاد، فهناك دول ترغب في العيش في تضامن مع دول تقر قيما معينة". ووصف توبولانك برنامج الشراكة الشرقي بأنه "تكملة منطقية" لروابط الاتحاد عبر الأطلسي وروابطه مع دول جنوب البحر المتوسط".
غياب أبرز القادة الأوروبيين عن القمة
كانت المفوضية الأوروبية - الجناح التنفيذي للاتحاد الأوروبي- قد دعت إلى القيام بمثل هذه الخطوة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وعند استلامها الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي نجحت جمهورية التشيك في ترجمة تلك الدعوة إلى مبادرة من خلال الإعداد لقمة "الشراكة الشرقية" في العاصمة براغ. إلا أنها ما لبثت أن تلقت ضربة موجعة بعدما أعلن أربعة قادة أوروبيين كبار غيابهم عن القمة، وهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، ونظيره الإيطالي سلفيو برلسكوني والإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، ما اعتبره المحللون إشارة إلى ضعف أهمية الحدث بالنسبة إليهم.
في المقابل، أوفت المستشارة الألمانية ميركل بوعدها بالمشاركة في هذه القمة. وعقب ألكسندر فوندرا نائب رئيس وزراء التشيك للشئون الأوروبية على ذلك بالقول إن حضور ميركل سيجعلها تلعب "دورا بارزا فيها". مضيفا أن غياب قادة دول الاتحاد الأوروبي الكبرى من شأنه إرسال إشارة خاطئة للدول الأعضاء الجدد بشأن اتفاقية لشبونة والتي تهدف إلى تسهيل عملية اتخاذ القرار داخل الاتحاد الأوروبي عبر إصلاح مؤسساته.
هل تمثل "الشراكة الشرقية" خطراً على المصالح الروسية؟
من ناحية أخرى، عبرت صحيفة روسية عن المخاوف المسيطرة داخل البلاد، حيث كتبت: "إن موسكو لن يصبح لديها مشاكل على حدودها، لكن حدودها ستتحول إلى مشاكل". وذكرت الصحيفة اليومية أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى منافسة روسيا عن طريق إنشاء عصبة جديدة تضم دولا ذات سيادة. وهذا ما اعتبره البعض محاولة جديدة لعزل روسيا الواقعة أصلا بين مطرقة حلف الناتو وسندان الاتحاد الأوروبي. إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرورف حاول وفي العديد من المرات بعث إشارات مطمئنة للمتخوفين من هذه الاتفاقية داخل روسيا.
من جهته وللرد على التخوفات الروسية، نفى الاتحاد الأوروبي نيته ضم أوكرانيا إلى عضويته، لكن هذا لم يمنع الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو من النظر بتفاؤل إلى مبادرة "الشراكة الشرقية"، إذ قال في هذا السياق: "أية اتفاقية أو خطوة تعزز علاقات بلاده بالاتحاد الأوربي أمر مستحب. ولا يوجد هناك أي سبب يدفع بأوكرانيا إلى تبني موقف سلبي، فهدفنا الإستراتيجي يتمثل في الاندماج التام داخل الاتحاد الأوروبي".
(و.ب/د.ب.أ/في.دي.ار)
تحرير: سمر كرم