قيود تعرقل عمل المجتمع المدني في مصر - مشروع قانون الجمعيات الجديد
٥ مارس ٢٠١٣تعتبر منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، التي تدافع عن حقوق الإنسان والحريات وتفضح الممارسات القمعية والفساد، ركيزة أساسية في كل الديمقراطيات. لكن في مصر ما بعد الثورة من المنتظر سن قانون من شأنه أن يضع قيودا متزايدة على عمل المنظمات والمؤسسات غير الحكومية.
وفي حال تمت المصادقة على هذا القانون فإن وزارة الداخلية والشرطة السرية هي التي ستكون لها سلطة السماح لهذه المنظمات بالعمل. كما سيصبح بالإمكان حظر الأنشطة السياسية وتأميم رأس مال المنظمات والترخيص بالحصول على تمويل من الخارج. وبالتالي سيصبح بإمكان الحكومة تحديد نشاطات المنظمات غير الحكومية والتأثير بشكل كبير.
ويرى البعض أن مشروع القانون يضيق على عمل المنظمات والمؤسسات إلى درجة أن السفير الألماني في القاهرة انتقدها في الصحف المصرية. بالنسبة لمحمد زارع من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فإن الأمر واضح: "محمد مرسي هو الرئيس وحزبه يشكل الحكومة ولكلاهما مصلحة في عرقلة عمل الجمعيات غير الحكومية، خاصة تلك التي تنتقد انتهاك حقوق الإنسان والفساد".
وفي حال تمت المصادقة على هذا القانون ودخل حيز التنفيذ فإن المنظمات والمؤسسات الألمانية غير الحكومية العاملة في مصر ستكون أيضا معنية بهذا القانون. يأتي ذلك في الوقت الذي تراجع فيه نشاط المؤسسات الألمانية على غرار مؤسسة فريدريش إيبرت القريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي بشكل ملحوظ بعد أن تعرضت مكاتبها في القاهرة للتفتيش.
مشروع قانون يخول إخضاع المنظمات للمراقبة الأمنية
ومن شأن القانون الجديد أن يخول للسلطات المصرية تشديد رقابتها على المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وفق ما يقول محمد زارع. وبالتالي سيصبح بإمكان السلطات المصرية أن تحدد ما إذا كان عمل المؤسسات الأجنبية غير الحكومية العاملة في مصر يتوافق مع حاجيات المجتمع المصري، وإذا رأت أنه لا يوفر هذا الشرط، فإنه لن يسمح لها بتلقي أموال من المؤسسة الأم التي تتخذ من بلد أجنبي مقرا لها أو فتح مكتب، خاصة إذا كانت هذه المؤسسات تتلقى أموالا من حكومة أجنبية أو من مصدر قريب من حزب سياسي على غرار المؤسسات الألمانية".
وبفضل اتفاقية ألمانية مصرية استطاعت المؤسسات الألمانية الحصول على وضعية مميزة، وقد تم إدراج مؤسسة كونراد آديناور الألمانية نهاية شهر يناير/كانون الثاني ضمن اتفاقية التبادل الثقافي الألماني المصري. ووفقا لهذه الاتفاقية فإن مصر تلتزم بتقديم الدعم لعمل هذه المؤسسة. ولكن الاتفاقية ذات طابع ثقافي وليس سياسي، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل ما إذا كان عمل المؤسسات الألمانية ثقافيا أم سياسيا. بعض الدوائر المقربة من المؤسسات الألمانية أشارت بصوت خافت إلى أن الأمر الأهم هو الإرادة السياسية للسماح لجمعيات المجتمع المدني بممارسة نشاطاتها النقدية للحكومة.
ولكن محمد زارع لا يرى ذلك، لافتا إلى أن عددا من مكونات المجتمع المدني في مصر قام بإعداد مشروع قانون أقل تشددا من المشروع الحالي لتنظيم عمل الجمعيات مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. لكن اليوم لا أحد يتحدث الآن عن مشروع القانون هذا. ويوضح زارع تغيير جماعة الإخوان المسلمين لموقفها قائلا: "لم يكن لها حينها رئيسا وإنما برلمان مهدد بالحل في كل وقت، بالإضافة إلى أن المجلس العسكري هو الذي كان يمسك بدواليب الحكم. محمد مرسي كان مجرد مرشحا لمنصب الرئاسة."
هل تضطر المنظمات لتغيير طابع عملها الجمعياتي
ويضيف زارع أن الحكومة سرعان ما أنهت المحادثات مع مكونات المجتمع المدني، والتي شارك فيها أيضا، بشكل مفاجئ. وتم بعدها تحويل مشروع القانون على البرلمان المؤقت الذي يهمن عليه الإخوان المسلمون. ويروي زارع أن رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة قد دافع عن مشروع القانون المتشدد: "لقد قال إذا تم السماح للمنظمات والمؤسسات غير الحكومية بتلقي أموال من الخارج دون التثبت من مصدرها، فيمكنها أن تتلقى أموالا من إسرائيل، من اليهود والصهيونيين لتخريب مصر أو بث البلبلة فيها."
وقد تضطر المؤسسات الألمانية غير الحكومية العاملة في مصر، وبرغم الحماية التي تحظى بها بموجب الاتفاقية الألمانية المصرية للتبادل الثقافي، لتغيير طابع عملها الجمعياتي، مثلا من خلال إشراك متزايد للفاعلين التابعين للحكومة بدلا من إشراك الجماعات الناقدة للحكومة. وتتجلى حساسية هذا الموضوع في رفض المؤسسات الألمانية الموجودة في مصر الإدلاء بموقفها إزاء مشروع القانون الجديد الذي تسعى الحكومة المصرية من خلاله إلى فرض رقابة متزايدة على عمل المجتمع المدني.
أما فيما يتعلق بالمحاكمات المرتقبة لموظفي المنظمات والمؤسسات غير الحكومية على غرار مؤسسة كونراد آديناور، فإن محمد زارع يقول إنه لا يستبعد أن يتم "الحكم ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم وذلك بهدف توجيه رسالة للغرب". ويضيف: "مفاد هذه الرسالة هو القول: إذاً الآن أنتم أحرار، ولكن إذا أردتم العمل هنا، فعليكم اتباع مشروع القانون الخاص بالجمعيات والمؤسسات غير الحكومية الذي سيجعلكم تحت رقابة الحكومة والأجهزة الأمنية."