زيارة مرسي لبرلين بين المخاوف الألمانية والآمال المصرية
٣٠ يناير ٢٠١٣استقبال المراسم العسكرية والسجاد الأحمر الذي خصص للرئيس المصري محمد مرسي، في برلين في زيارته الأولى إلى ألمانيا منذ توليه الرئاسة، لم يكن كافيا للرئيس المصري محمد مرسي الذي ربما كان يتمنى الحصول على أكثر من ذلك، وخاصة من ناحية الدعم المالي. الزيارة كانت مقررة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأجلت بسبب الظروف التي تعيشها مصر، ثم كادت أن تؤجل مرة أخرى بسبب ما تشهده مصر حاليا من غليان وأعمال عنف تخللها سقوط حوالي 60 قتيلا خلال الأيام القليلة الماضية. هذه الأحداث دفعت الرئيس مرسي إلى إلغاء زيارات عديدة هامة إلى عدة دول من بينها زيارة كانت مقررة الثلاثاء إلى أديس أبابا لحضور اجتماع هام للاتحاد الإفريقي، وكذلك زيارة إلى باريس.
لكن مرسي لم يُلغِ زيارته إلى برلين، وإن كان قلص مدتها من يومين إلى ثلاث ساعات. ولا عجب في عدم إلغائها، ربما لأن الزيارة أكثر من هامة خاصة من الناحية الاقتصادية بالنسبة لمصر في ظل تهاوي الجنيه والأزمة التي بدأت تضيق الخناق على معيشة المواطن المصري. بالمقابل فإن برلين أرادتها مناسبة لإبلاغ الرئيس المصري رسائل "هامَة" حول بعض القضايا الأساسية والحسَاسة التي تثير قلقا في العواصم الغربية.
الرئيس مرسي لم يسمع في برلين مديحا لسياسته
لا شك أن الرئيس مرسي لم يكن ينتظر سماع الإطراء والمديح لسياسته الداخلية مع وجود خلافات حادة وتباين في مواقف القوى السياسية الرئيسية في بلاده. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أكدت عقب لقائها بمرسي على أن أحد الأمور المهمة لألمانيا هو "أن يكون خط الحوار مفتوحا دائما لكل القوى السياسية في مصر وأن تتمكن كل القوى من أداء مساهماتها، وأن يتم الالتزام بحقوق الإنسان". وشددت أيضا على أهمية أن "تمارس الحرية الدينية".
المخاوف في هذا السياق كبيرة لدى العواصم الغربية وهناك من يتخوف من عودة الديكتاتورية التي حكمت مصر لعقود طويلة، قبل أن تسقطها ثورة 25 يناير، كما يرى روبريشت بولينتس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، والذي أكد في حديث لـ DW: "لا يمكن انتظار عملية انتقال سياسي تسير بخط مستقيم خالية من أي انتكاسات". ومن هنا حرص وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله على تأكيد أهمية إعطاء فرصة لمصر في طريقها نحو الديمقراطية، "رغم كل الصور التي تصدمنا"، كما ذكر فيسترفيله.
مرسي صرح عقب لقائه بميركل بأن مصر ستكون "دولة مدنية، ليست عسكرية ولا ثيوقراطية (دينية)" وأكد مرسي حرصه على الحوار مع كافة القوى السياسية في بلاده. ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها مرسي معارضيه إلى الحوار، حيث قاطعت أهم قوة في المعارضة وهي جبهة الإنقاذ الوطني جلسات الحوار التي عقدت مؤخرا. ولكن أحداث العنف الأخيرة قد تدفع كلا الفريقين إلى تقديم تنازلات حتى لا تنفلت الأمور، وهذا ما دفع قياديين بارزين في جبهة الإنقاذ - هما محمد البرادعي وعمرو موسى – للدعوة إلى حوار وطني. وكتب البرادعي الأربعاء في تغريدة على موقع تويتر "نحتاج فورا لاجتماع بين الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية والحزب الحاكم والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ لاتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف وبدء حوار جاد"، مؤكدا أن "وقف العنف هو الأولوية".
الانتخابات البرلمانية باتت على الأبواب، حيث ستجري وفق ما ذكر الرئيس مرسي إما في الشهر الرابع أو الخامس من العام الجاري. وبالتأكيد فإن المجتمع الدولي ومن بينه ألمانيا ترغب في وجود مراقبين دوليين، حيث لم يتسن للمراقبين الدوليين العمل بحرية وتأخر دخول الكثير منهم إلى مصر خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
حاجة مصر الماسَة للمساعدات
الاستقرار السياسي عامل مؤثر وحاسم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلد، كما يقول مراقبون في برلين. فالديون الخارجية المصرية التي تبلغ حوالي 35 مليار دولار ودفع الفوائد المترتبة عليها يثقل كاهل مصر ما بعد الثورة، وهذا الأمر تتفهمه الحكومة الألمانية جيدا، ولكن برلين ربطت تقديمها لمساعدات اقتصادية بتحقيق التقدم على طريق الديمقراطية. مرسي أشاد بمتابعة ألمانيا للعملية الديمقراطية في مصر منذ البداية. وفي الوقت ذاته دعا إلى توسيع نطاق العلاقات الألمانية المصرية، ولكن دون تدخل في الشؤون الداخلية. وقال مرسي "إن ألمانيا تتحمل 25 % من دعم الاتحاد الأوروبي للاقتصاد المصري والذي يبلغ 5 مليارات يورو".
الدعم الألماني كان يسير بخطى حثيثة وكانت برلين وعدت بشطب 240 مليون يورو من ديونها على مصر، ولكن برلين أوقفت هذا الإجراء ولم تحدد أي توقيت لاستئنافه بانتظار التطورات في مصر. التجميد شمل أيضا 350 مليون يورو مخصصة لبرنامج المساعدات. ولم تتطرق المستشارة ميركل عقب لقائها بمرسي لأي نقطة تتعلق بالديون والمساعدات المالية.
دور متنام للهيئات غير الحكومية
إحدى القضايا الهامة التي أثرت على العلاقات الثنائية بين مصر وألمانيا، كانت التعرض للعاملين في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية وملاحقتهم قضائيا، في قضية ينظر فيها القضاء المصري منذ فبراير/ شباط 2012. ولكن النبأ السار الذي حملته زيارة مرسي هو أن مؤسسة كونراد أديناور من المنتظر أن تحصل على غطاء قانوني في مصر، وسط توقعات أن تصبح جزءا من اتفاقية ثقافية بين ألمانيا ومصر مما يتيح لها القيام بأنشطتها الثقافية في مصر في إطار قانوني . وقالت المستشارة ميركل عقب لقائها بالرئيس مرسي الأربعاء: "هذه بادرة طيبة أيضا على تدعيم القوى غير الحكومية".
وهذا ما طالب به روبريشت بولينتس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، قبل لقاء ميركل بمرسي، حيث طالب بأن يتم سؤال مرسي حول نظرته لعمل منظمات المجتمع المدني، حتى وإن أدت هذه الأخيرة إلى نشوء "هياكل منافسة لجماعة الإخوان المسلمين".
العلاقة مع إسرائيل
مشاكل مصر الداخلية أكثر من أن تحصى، وعلاقاتها الخارجية خاصة مع الجارة إسرائيل شكلت مصدر قلق كبير للغرب عقب وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر، لكن الرئيس مرسي طمأن الجميع بأنه ملتزم بكل الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. ولقد بدا واضحا الدور المصري البارز في تهدئة التوتر الأخير بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والذي انتهى بالتوصل إلى هدنة في غزة، كان للدبلوماسية المصرية دور هام في الوصول إليها.
وهذا ما دفع المستشارة الألمانية إلى توجيه الثناء مرة أخرى لمرسي. وكان يمكن أن تبقى الأمور في هذا السياق على هذا النحو لولا تسجيل الفيديو الذي ظهر فيه مرسي وهو يصرح بتصريحات وُصفت بأنها معادية للسامية. هذه التصريحات صدرت عن مرسي في عام 2010 وكشف عنها قبل أيام قليلة، دفعت برلين لإدانتها معتبرة أن مثل هذه التصريحات لا تخدم عملية السلام في الشرق الأوسط. الرئيس مرسي جدد في برلين تأكيده بأن هذه التصريحات "انتزعت من السياق" وأنه ليس ضد الدين اليهودي، وهو موقف تأمل برلين في استمراره.