وجهة نظر: موقف ترامب بشأن الجولان غبي وخطير!
٢٢ مارس ٢٠١٩قد يحاول المرء أن ينظر إلى الأمر بشكل إيجابي بأن يقول أخيراً، حرك رئيس أميركي المياه الراكدة للملف الدبلوماسي للشرق الأوسط. رئيس يخطو بشجاعة خطوات جديدة، بدلاً من التمسك بقرارات الأمم المتحدة غير الفعالة، و التي فشلت بشكل واضح في التوصل إلى حل سياسي منذ عقود. قد يكون دونالد ترامب على حق بهذا، لأن السيادة الإسرائيلية على الجولان، حقيقة. ولن يتغير الأمر بسرعة - وربما لن يتغير إلى الأبد. فلماذا لا نعترف بهذه الحقيقة؟ ألا يجب أن يسبق التحليل القاسي للواقع أية محاولة لإيجاد حل سياسي؟
خرق للقانون الدولي
لكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة. على الرغم من أنه لا يبدو مستبعداً من أسلوب ترامب الاندفاعي، الذي لم يحقق أيه نجاحات ممكنة لحد الآن تجاه بلدان مثل كوريا الشمالية أو الصين. فخطته للاعتراف بضم هضبة الجولان، والتي تقع بشكل غير قابل للجدل وبحسب القانون الدولي تحت السيادة السورية، هو أمر مختلف بشكل كلي.
ومن أجل تقديم هدية الحملة الانتخابية لرئيس إسرائيل بنيامين نتنياهو المتحالف معه، يصب ترامب بشكل متعمد المزيد من الزيت على حرائق الشرق الأوسط، واضعاً بذلك القانون الدولي محط تساؤل في جميع أنحاء العالم. من يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي ضمتها لأراضيها عام 1981، يفقد في المستقبل مصداقية الحكم بشأن سيادة روسيا على شبه جزيرة القرم. بهذا سيُصبح خرق القانون الدولي قاعدة معمول بها بمباركة القوة العظمى للولايات المتحدة الأمريكية.
خطورة هذه الخطوة تكمن أيضاً في الانعكاسات الإقليمية، كما كان الحال مع القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل، ضد إرادة الفلسطينيين وضد الأغلبية في الأمم المتحدة، حيث انحاز ترامب بشكل أحادي إلى نتنياهو و ابتعد عن الجانب العربي. وبتصرفه هذا لم يجلب لنفسه سوى المعارضين السياسيين مثل النظام السوري وإيران وحزب الله. حتى أنه بهذا يعمل على تقوية هذه القوى من خلال تغذية الدعاية الناجحة المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ترامب يخون ويبيع المصالح المشروعة للعرب والمسلمين وهذا هو ما سيشاهده أيضا معظم الناس في المنطقة من قرار ترامب هذه المرة أيضاً.
انتحار سياسي
من دون شك يُضعف ترامب بقراره هذا موقف حلفائه العرب والمسلمين في المنطقة. وقد أعربت دول الخليج عن أسفها لتصريحاته، وأكدت أن الجولان باقية تحت السيادة السورية. وبالمثل أعربت حليفة واشنطن، مصر عن موقفها. وحتى قوى المعارضة السورية التي تعمل مع الولايات المتحدة بالكاد ستكون قادرة على الموافقة على إلغاء السيادة على أراضيها. لأن هذا سيكون بمثابة انتحار سياسي.
على الرغم من أنه قد لا يكون لمسألة سيادة هضبة الجولان أولوية لدى الحكام في القاهرة والرياض، تماما كما هو الحال مع مصير الفلسطينيين في غزة. وذلك لأن الحكام هناك لديهم أولويات مختلفة حالياً، أهمها قمع النفوذ الإيراني في المنطقة. ولكن مسألة إقامة شرق أوسط "جديد" بالتعاون مع الأمريكيين والإسرائيليين، ستُظهر الحكام العرب الآن أقل مصداقية من ذي قبل أمام شعوبهم. لأن مناورة ترامب الجديدة حول الجولان، تُجبرهم على تقديم خطاب معادٍ للولايات المتحدة لـ "الشارع العربي". وهذه أيضاً حقيقة لا ينبغي أن تُنسى في المنطقة. وبهذا فإن ما سيقوم به ترامب بشأن سيادة هضبة الجولان، لا يشكل انتهاكاً خطيراً فحسب، وإنما هو أيضا قرار غبي وغير مثمر بالنظر إلى اهتماماته وخططه في المنطقة.
راينر زوليش