وجهة نظر: من أين تتأتى ضرورة التحالف مع بوتين ضد "داعش"؟
التحالف مع روسيا لمواجهة ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" أمر يقتضيه الواقع. ويبدو أن رئيسي فرنسا والولايات المتحدة، اولاند وأوباما، يفكران في هذا الاتجاه. وعلى ألمانيا الانضمام إلى هذا التحالف – لكن بدون أوهام الشراكة مع روسيا. وأيضا بدون تصور أن الديمقراطية ستزدهر خلال السنوات القادمة في الشرق الأوسط، الذي ينهار حالياً، إذا تمت إطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من السلطة.
السياسة الواقعية مطلوبة
لأن الرئيس الروسي بوتين في داخله بطبيعة الحال ليس شريكا حقيقيا، وعلينا أن لا ننسى سياسة الكرملين العدوانية في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بشكل مخالف للقانون الدولي. لذا يجب الإبقاء على العقوبات المفروضة على موسكو. وبالطبع فإن الدكتاتور الأسد لا يمكنه أن يكون شريكا حقيقيا. إذ يعتبر أحد مسببي دوامة العنف في سوريا، وليمكن إنكار مسؤوليته عن مقتل أكثر من 250 ألف شخص وموجة الهجرة.
ومصالح الرئيس بوتين في دخول تحالف ضد "داعش" ليس نابعاً من مواقف إنسانية، وإنما من مصالح جيوسياسية واضحة. ومن المؤكد أن بوتين يستغل صدمة الغرب من هجمات باريس، لتجاوز عزلته الدولية وفرض سياسته وأن يعزز بلاده كقوة عظمى معترف فيها. والدعم الدبلوماسي الروسي للأسد منذ 2011 مسؤول في الواقع عن الحرب في سوريا.
لكن، هل يعني هذا كله استحالة التحالف مع روسيا، وبالتالي مع الأسد، ضد "الدولة الإسلامية؟ لا بكل تأكيد! فالقضايا الدولية لا تحل بنتائج مثالية بحوار في أجواء لطيفة بين أطراف لها نفس المواقف والتفكير.
بالإضافة إلى ذلك تتحمل تركيا، العضو في الناتو، والسعودية جزءاً من التواطؤ في الحرب السورية. ويوجد بين صفوف الجماعات المعادية للأسد "الجيش السوري الحر" جهات قد لا تتوانى عن تنفيذ إبادة جماعية لملايين العلويين. فهل هؤلاء الشركاء أعقل؟ وهناك اعتراف آخر: الكثير من المشاكل الموجودة اليوم في الشرق الأوسط ناتجة عن سياسة التدخل الخطيرة للولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.
أهداف ملموسة وشروط
باختصار: بدلا من الحديث أخلاقيا عن مَن لا يُسمح بالتعاون معهم، يجب أن تؤدي هجمات باريس إلى التحلي بالواقعية السياسية. ولهذا الغرض هناك شروط وأهداف محددة. أولا يجب القضاء على ما يسمى بـ "داعش" قضاءً نهائياً في سوريا والعراق وأوروبا أيضاً. وهذا يتطلب الضغط على مؤيدي "داعش" في دول الخليج إضافة إلى تنسيق عسكري أوثق مع روسيا. وأخيراً، فإنه لا جدوى من التباكي على أن روسيا ثبتت أقدامها في سوريا لوجود قاعدة عسكرية لها هناك. وليس مهما الآن أن بوتين يستغل ذلك لأغراض دعائية، طالما بقي الغرب متمسكاً بسياسته اتجاه أوكرانيا.
ثانيا وبعد القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" لا بد من عقد مؤتمر على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لإحلال الأمن والاستقرار في كل منطقة الشرق الأوسط – بالتأكيد مع دفع ثمن باهظ وهو بقاء الأسد في السلطة على ما تبقى من سوريا. أما البديل عن ذلك، فهو استمرار دوامة العنف ومعها استمرار المعاناة بلا نهاية وخطر امتداد الحريق إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا.