وجهة نظر: قيس سعيّد يكتب الفصل الأخير في "الربيع العربي"
٢٧ يوليو ٢٠٢٢عندما انتخب فيلي برانت مستشاراً لجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1969، كان شعاره الشهير: "نريد أن نجرؤ على ممارسة المزيد من الديمقراطية". وشدد في أول بيان حكومي له أمام البرلمان على أنه "سيكون هناك قدر من النظام فقط بقدر ما نشجع المسؤولية المشتركة. يتطلب مثل هذا النظام صبراً غير عادي في الاستماع لبعضنا البعض وجهداً غير عادي لفهم بعضنا البعض".
كان فيلي برانت، والعديد من الشباب الألمان على وجه الخصوص، على استعداد لسلوك هذا الطريق "الشاق" بعدما أعيد بناء ألمانيا وتحقق الرخاء بعد الحرب العالمية الثانية.
بيد أنه من الواضح أن التونسيين المنكوبين اقتصادياً وسياسياً ليسوا في هذه الأيام مستعدين لذلك.
تهديد حقيقي للديمقراطية
لفترة طويلة، نالت تونس وبحق التقدير والثناء على أنها "بلد نموذجي" والنموذج الناجح الوحيد المتبقي مما يسمى بـ"الربيع العربي". لكن قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، انتُخب قيس سعيّد رئيساً، والذي، على عكس فيلي براندت، ألزم نفسه بأجندة معاكسة: إنه يريد أن يجرؤ على ممارسة مقدار أقل من الديمقراطية. حتى أن قلة من النقاد في الداخل والخارج يتهمونه بالرغبة في إلغاء الديمقراطية تماماً، على الأقل في المستقبل.
هذا الخطر حقيقي جداً. لم يقتصر الأمر على أن الرئيس استخدم فترة ولايته حتى الآن لتعطيل البرلمان والحكومة وأجزاء مهمة من السلطة القضائية باسم مكافحة الفساد، التي هي من الناحية الموضوعية ضرورية للغاية، ووسيلة ناجحة سياسياً.
واليوم نجح قيس سعيّد في إقراردستور جديد عن طريق الاستفتاء. هذا الدستور يقوض الأركان الأساسية للفصل بين السلطات، ويمنح الرئيس اليد العليا. ما يعني أنه في المستقبل، لن يكون للبرلمان أو للشعب حق اللجوء للقانون لمحاسبة رئيس غير شعبي أو إجباره على ترك منصبه.
لن تصبح تونس تلقائياً ديكتاتورية فردية بين عشية وضحاها. إذ لا ينبغي الاستهانة بمقاومة المجتمع المدني - بما في ذلك النقابات العمالية القوية تقليدياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تظهر صراعات جديدة، على سبيل المثال مع الإسلاميين. كما أن الإقبال الضعيف على المشاركة في الاستفتاء يضعف شرعية الرئيس ودستوره.
الفصل الأخير
لكن لا يمكن التغاضي عن أنه في أوقات الفساد والفقر والبطالة، من المرجح أن يراهن العديد من التونسيين على زعيم يفترض أنه قوي أكثر من المراهنة على عملية تحقيق التوافقات المملة بين الأطراف المتصارعة في البرلمان، حتى لو كانت هذه المراهنة مخيبة للآمال حتى الآن.
إنها حقيقة مرّة، لكن الوقت الآن ليس وقت ازدهار الديمقراطية في العالم العربي. من ناحية أخرى، تتزايد الصعوبات الاجتماعية وموجات الهجرة بشكل مطرد من المنطقة بأكملها تقريباً. ليس أقلها في تونس، حيث بدأ "الربيع العربي" منذ أكثر من 11 سنة، وحيث يتم كتابة فصله الأخير للأسف الآن، على الأقل حتى إشعار آخر.
راينر زوليش/خ.س