وجهة نظر: ألمانيا يجب أن تكون قادرة على مساعدة اللاجئين
١ أكتوبر ٢٠١٤ما حدث على متن سفينة "سلاميس فيلوكسينيا" الأسبوع الماضي إنما يرمز إلى مدى صعوبة وتعاسة الوضع بأسره. السفينة السياحية القبرصية قامت على بعد 90 كيلومتراً من السواحل القبرصية بإنقاذ نحو 350 لاجئاً كانوا يواجهون صعوبات في عرض البحر. ربان القارب المتهالك أنقذ نفسه، تاركاً الناس – ومن بينهم خمسون طفلاً – يواجهون قدرهم بأنفسهم. وعقب إنقاذهم وإيصالهم إلى ميناء العاصمة القبرصية ليماسول، لم يرد أغلبية اللاجئين، الذين قدم معظمهم من سوريا، مغادرة القارب، مطالبين بترحيلهم إلى إيطاليا. الأكيد أن ربان السفينة السياحية كان ملزماً، وفقاً جميع الاتفاقيات الملاحية، بأن يقدم يد المساعدة. لكن وإزاء هذه التجربة يطرح السؤال نفسه عما إذا كان سيقوم بذلك مرة أخرى وعن قناعة.
قبل سنة، أصيبت أوروبا بالسخط والاشمئزاز جراء حادثة غرق قارب كان على متنه ما يقارب 400 لاجئ في عرض البحر قبالة جزيرة لامبيدوزا. وقبلها ببضعة أسابيع كانت هذه الجزيرة بالذات أول محطة يقصدها البابا فرانسيس عقب توليه مهامه البابوية، إذ نثر الورود في البحر لإحياء ذكرى كل اللاجئين الذين هلكوا غرقاً في طريقهم من إفريقيا إلى أوروبا. حينها اشتكى الحبر الأعظم مما وصفه بـ"عولمة اللامبالاة". إيطاليا وجدت نفسها تحت تأثير ضغط الرأي العام، الذي ولّده البابا بزيارته إلى جزيرة لامبيدوزا، مجبرة على إطلاق عملية "ماري نوستروم" (بحرنا). ومنذ ذلك الوقت، كثفت البحرية الإيطالية مراقبتها للبحر قبالة السواحل الإفريقية. "بحرنا" عملية ناجحة جداً، فقد قام الإيطاليون خلال الأشهر الماضية بإنقاذ أكثر من 140 ألف شخص من غرق محدق.
مراقبة مكثفة ولكن عدد الموتى في ارتفاع
رغم ذلك، ووفقاً لمعطيات المنظمة الدولية للهجرة، فقد تعرض 3072 لاجئاً للغرق خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، وهو عدد يضاهي أكثر من ضعف عدد من غرقوا خلال عام 2011، الذي سجل رقماً قياسياً في عدد اللاجئين الذين لقوا مصرعهم في عرض البحر المتوسط. إذن، فإن عملية "بحرنا" لم تكن بذلك النجاح! كيف يمكن تفسير هذا الارتفاع في عدد الغرقى رغم المراقبة المكثفة؟ التفسير واضح وبسيط: العدد الإجمالي للذين يبحرون في قوارب متهالكة وممتلئة لعبور البحر المتوسط قد ارتفع خلال الأشهر الماضية بشكل ملحوظ.
منظمات حقوقية على غرار منظمة العفو الدولية بإمكانها توضيح ذلك: الحرب في سوريا، التي تزيد وحشيتها بشكل متوال، تدفع الناس إلى الهرب. كذلك في الصيف، خلال وبعد العمليات الإسرائيلية العسكرية، ارتفع عدد الفلسطينين الفارين من قطاع غزة على متن قوارب أكثر من أي وقت مضى. على غرار أولئك الذين يجازفون بحياتهم في عبور المتوسط هرباً من بلدان دمّرت هياكل الدولة فيها بالكامل أو تكاد تكون مدمرة، مثل أريتريا وسوريا ومالي والصومال وأفغانستان.
أما خبراء الوكالة الأوروبية لحماية الحدود "فرونتيكس"، فينظرون بالطبع إلى الوضع من منظور مغاير، فهم يركزون اهتمامهم على المهربين وتجار البشر، الذين ينظمون طرقاً وسبلاً للهروب إلى أوروبا بشكل محترف يصل إلى المستوى الذي تدار به المؤسسات الصناعية - بدءاً من بيع "التذاكر" في "وكالات سفر" يملكونها، وصولاً إلى دفع رشاوى للموظفين العاملين في الموانئ بمصر وليبيا، التي تنطلق منهما أغلبية قوارب اللاجئين. ومع ارتفاع احتمال إنقاذهم من الغرق بفضل عملية "بحرنا"، فقد ازدادت طلبات الراغبين في الللجوء إلى أوروبا. وبما أن عمليات التهريب تدر على المهربين عديمي الضمير أموالاً طائلة، فقد أصبحت حتى المراكب الصغيرة المهترئة تستخدم لعبور البحر نحو الضفة الأخرى، حتى أن البعض منها تحطم بعد مغادرته الميناء بوقت قصير.
الاتحاد الأوروبي يجب أن يدافع عن مبادئه
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟ الآمال المعلقة على تفكيك شبكات التهريب في شمال إفريقيا ليست إلا مجرد أوهام. ولكن ماذا بعد غض النظر بعد انتهاء تفويض عملية "بحرنا" الإيطالية بحلول الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني؟ قد يعني ذلك ارتفاع عدد اللاجئين الذين يموتون غرقاً في عرض البحر، ما قد يقلّص العدد الإجمالي للاجئين. هل سيفرحون بذلك سراً؟ هذا لا يمكن أن يكون حلاً بالنسبة لاتحاد يعرّف نفسه ليس كمجموعة اقتصادية فقط وإنما كمجموعة مبنية على مبادئ! "بحرنا" يجب أن تكون مهمة أوروبية مشتركة، وهذا أقل شيء.
في دول مثل ألمانيا، يجب وبشكل عاجل الحديث عن إمكانيات للسفر واللجوء بالنسبة للسوريين المتواجدين في مخيمات اللاجئين بتركيا ولبنان، على أمل ألاّ تجازف أسر مع أطفالها بركوب قوارب الموت لعبور البحر المتوسط إلى الضفة الأخرى. قد يكون ذلك أمراً غير مرغوب به في دولة تئن بلدياتها تحت عبء اللاجئين الوافدين حديثاً. لكن دولة غنية مثل ألمانيا يجب أن تكون قادرة على ذلك.