هل يهدد الخطر فسيفساء الأديان في العراق؟
٩ أبريل ٢٠١٣تشهد الأقليات في العراق بشكل يكاد يكون يوميا اعتداءات أو عمليات اختطاف أو تفجيرات إلى درجة أن الفسيفساء العرقية والطائفية والدينية التي ميّزت بلاد الرافدين أصبحت تتلاشى شيئا فشيئا.
هذا التلاشي بدأ حتى قبل سقوط نظام صدام حسين قبل عشر سنوات، وتجلى من خلال الصراع الدائر بين العرب والأكراد من جهة وبين السنة والشيعة من جهة أخرى. وقد شملت تبعات هذا الصراع العرقي والطائفي طوائف أخرى على غرار المسيحيين والأيزيدية والمندائيين.
أضحت الكنائس منذ أعوام هدفا لتفجيرات وعمليات إرهابية. وعندما تولى الزعيم الديني للطائفة الكاثوليكية في العراق البطريق لويس رافائيل الأول منصبه في مارس/آذار الماضي كانت الدرجة الأمنية القصوى هي السائدة في أنحاء واسعة من العراق. وقد شهدت أعداد الطائفة الكاثوليكية كغيرها من الطوائف المسيحية تراجعا ملحوظا في العراق، حيث هاجر عدد متزايد من المسيحيين إلى خارج البلد، إلى درجة أنه لم يتبق من إجمالي مليون مسيحي كانوا يعيشون في بلاد الرافدين سوى بضع مئات الألوف، وفقا لتقديرات كنسية.
الأقلية المندائية : وجود تاريخي مهدد بالاندثار
الأقليات الدينية الأخرى في العراق تواجه مصيرا مماثلا، إذ يُعد وضع الطائفة المندائية، التي موطنها الأصلي جنوب العراق منذ أكثر من ألفي عام، صعبا للغاية. ورغم أن المندائيين يؤكدون أن القرآن يعتبرهم من أهل الكتاب وبالتالي فهم أهل بالحماية، إلا أن العديد من المسلمين يرونهم من منظور مختلف.
صبيح الزهيري، الذي كان يشعل منصب بروفسور في اللغة المندائية ببغداد، يقول إن الطائفة المندائية، التي ينتمي إليها، لا تزال معرضة للاعتداءات. ويضيف الزهيري في حديث مع DWأن الكثيرين من أتباع هذه الطائفة لا يكشفون عن انتمائهم الديني خوفا من التمييز، لافتا مثلا إلى أنه في حال طلب شخص مندائي قهوة في أحد المقاهي وكشف عن هويته فلا يحصل عليها. ويوضح قائلا: "الناس سوف يمتنعون عن شرب أي شيء من كوب شرب منه شخص مندائي قبلهم."
وقد هاجر عدد كبير من المندائين إلى الخارج إلى درجة أن وجودهم في وطنهم الأصلي العراق أصبح مهددا، فقبل عشر سنوات كان نحو 30 ألف شخص من الطائفة المندائية يعيشون بين بغداد والبصرة، أما اليوم فإن عددهم ربما لا يتجاوز 5 آلاف شخص. وقد هاجر أغلبيتهم إلى ألمانيا والبلدان الاسكندينافية والولايات المتحدة. "العديد يعتقد أن الطائفة المندائية ستندثر مستقبلا بالكامل في العراق"، على ما يقول الزهيري.
الطائفة الأيزيدية : حرية نسبية ، ولكن في كردستان العراق
طائفة الأيزيدية الكردية في العراق عانت بدورها من الملاحقة والاعتداءات، فعلى الرغم من أن عدد أتباعها لا يتجاوز مئات الآلاف ويعيش أغلبهم في شمال البلاد، إلا أن المسلمين المتطرفين يعتبرونهم كفارا من عبدة الشيطان.
وفي آب/أغسطس عام 2007 وصلت أعمال العنف ضد الطائفة الأيزيدية ذروتها، حيث قتل أكثر من 400 شخص من أتباعها في تفجيرات إرهابية. ويحظى الأيزيديون في الشمال الكردي من العراق بحقوق أفضل من أولئك الذين يعيشون في المناطق العربية.
يقول إلياس يانك من المنتدى الأيزيدي في مدينة أولدنبورغ الألمانية إن "الحكومة الكردية أنفقت ملايين الدولارات لترميم أحد أهم معابد الطائفة الأيزيدية في لاليش بالقرب من مدينة الموصل".
ورغم أن الأعياد الأيزيدية هي أيام عطلة رسمية كما يبين الياس يانك الا أنه "لا يزال هناك تمييز ضدهم خاصة في سوق العمل أو في مجال التعليم".
من جهته، يقول كمال سيدو، المتخصص في شؤون الأقليات العراقية من المؤسسة الألمانية لحماية الشعوب المهددة: "مظاهر التمييز اليومي يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة، مثلا في أحد القرى التي يعيش فيها مسلمون ويزيديون، يقوم المؤذن بتلاوة سور من القرآن تعتبر مهينة لليزيديين."
في الواقع، يضمن الدستور العراقي للأقليات الدينية على غرار المسيحيين واليزيديين والمندائيين حرية المعتقد، ولكن هذا القانون لا يحميهم من التمييز في الشارع وعدة مجالات حياتية. كما أنهم عرضة للاعتداءات والتفجيرات الإرهابية. كما يعمد البعض إلى اختطاف المسيحيين أو المندائيين للحصول على فديات مالية عالية. وبعض الجماعات المتطرفة تعتدي على المحالات التجارية التي يملكها أتباع الطوائف الأقلية، خاصة إذا كانت تباع فيها مشروبات كحولية.
ويرى سيدو مستقبل الأقليات في العراق بنظرة تشاؤمية، فيقول: "بالنسبة للمندائيين لن يعود الزمن القديم مرة أخرى" لافتا الأنظار إلى أنه رغم سعي الحكومة العراقية إلى تحسين إجراءات حماية الأقليات، لكن مساعيها لم تحظ بنجاح يذكر : " في الشمال الكردي حصرا ، بإمكان الأقليات غير المسلمة أن تعيش وتمارس شعائرها الدينية بكل حرية"، وفق ما يقول سيدو.