هل يكون المنتخب الجزائري لكرة القدم ضحية السياسة؟
١٤ يونيو ٢٠١٠يؤكد المحلل السياسي عبد الحميد غمراسة في حوار مع دويتشه فيله أن "انهزام الجزائر أمام مصر في القاهرة في (الرابع عشر من شهر تشرين الأول نوفمبر عام 2009) بهدفين لصفر، كان فرجا سياسيا للرئيس بوتفليقة بقدر ما كان كابوسا لأنصار الفريق الجزائري في ذلك اليوم".
و يستطرد غمراسة عبد الحميد موضحا فكرته بقوله "لقد أدى فوز مصر على الجزائر بهدفين لصفر، إلى عدم تأهل الجزائر مباشرة، بل فرض على الفريقين المصري و الجزائري، مباراة فاصلة في الخرطوم، و خلال ثلاثة أيام أمر الرئيس الجزائري بنقل أكثر من اثني عشر ألف مناصر إلى الخرطوم، على نفقة الدولة تقريبا، لأن تكاليف السفر خفضت بشكل هائل". فما مغزى حالة "الطوارئ الرياضية" هذه التي أعلنها بوتفليقة، وهل يتعلق الأمر بأجندة رياضية محضة أم بأهداف سياسية أوسع؟
"بوتفليقة حقق أحلام المناصر العادي"
لقد أمر الرئيس الجزائري "الخطوط الجوية الجزائرية"، بتخفيض ثمن التذاكر بنسبة ثمانين في المائة، و فتح جسرا جويا إلى الخرطوم، التي لا يربطها بالجزائر خط جوي مباشر، كما أمر السفارة الجزائرية بالخرطوم بالتكفل بالأنصار الذين لا يملكون مالا يدفعون به ثمن المبيت قبل يوم المباراة، كما اشترى لكل الأنصار الجزائريين تذاكر الدخول إلى ملعب أم درمان حيث تجري المباراة و قدمت السفارة الجزائرية تذكرة دخول للملعب لكل مناصر جزائري، يثبت جنسيته عبر جواز السفر.
وفي هذا السياق قال رابح هوادف، صحافي جزائري تنقل إلى الخرطوم "لقد كان الأمر أشبه بالحلم، بالنسبة إلى جزائري بسيط ذو ثقافة عادية، فلقد حول بوتفليقة أحلام مناصر عادي إلى حقيقة، فهناك تذكرة سفر بالمجان و إمكانية حضور مباراة العمر دون القلق على المصاريف، لقد حقق الرئيس الجزائري في مباراة واحدة ما لم يحققه خلال السنتين الأخيرتين".
و أضاف رابح هوادف " لقد كانت نفس نوعية الشباب التي ساعدها الرئيس الجزائري على تحقيق حلمها هي نفس الطبقة التي تغذي الاحتجاجات الاجتماعية، كما تغذي صفوف المشتبكين مع قوات الأمن بسبب الاحتجاجات على البطالة و أزمة السكن و نقص المرافق الاجتماعية في الكثير من مدن البلاد".
و يستغرب الكثير من المراقبين حالة الرضا التي يشعر بها الكثير من أبناء الطبقة الغاصبة رغم أن نسبة من ذهب إلى الخرطوم في تلك الرحلة المثيرة، لا تتجاوز واحدا في المائة ممن كانوا يريدون الذهاب إلى الخرطوم و الاستفادة من التخفيضات التي أقرها الرئيس الجزائري.
كرة القدم وسيلة للخروج من المآزق السياسية؟
تعتبر الحادثة بكاملها هدية سياسية من الطراز الرفيع، يحلم بها كل سياسي يريد أن يخرج من المأزق، و يبدو أن الرئيس الجزائري، قد فهم مجرى الأمور، و هاهو الآن يمول كرة القدم الجزائرية بعشرات الملايين من الدولارات، و يمنح الفريق الأول دعم الدولة من دون حدود، لأن فوز الفريق الجزائري ببعض مباريات كأس العالم و تأهله إلى الدور الثاني معناه راحة سياسية لا تقدر بثمن.
و في نفس السياق، أعلن بوتفليقة عن مشروع تنموي مدته خمسة أعوام يمتد إلى غاية عام 2014، ضخ فيه ما يقرب من مائتين و خمسين مليون يورو، و هو أمر لم يحدث منذ استقلال البلاد عام 62 من القرن الماضي، و لتدارك أخطاء الفترة الماضية عندما جلب عمال صينيون لتنفيذ المشاريع، هاهو الرئيس الجزائري يعطي أوامره لتفضيل تشغيل الشباب الجزائري، و منحه فرصا أكبر للاستفادة من ملايين الشقق و السكنات التي ستبنى خلال السنوات الخمس المقبلة.
حدث كل هذا بعد مباراة في كرة القدم، بين مصر و الجزائر، و لئن بدا في الظاهر أن شكل الاستغلال السياسي يشبه الأساليب المستعملة في الأنظمة الشيوعية البائدة، إلا أن باطن كل هذه السياسة هو ضمان استقرار بلد عبر كل الطرق المتوفرة، بل و لأن الطبقة الحاكمة في الجزائر، تتذكر بشكل جيد المعادلة التالية، و لا تريد أن تتكرر:
"فقد شهدت أواخر الثمانينات تدهورا في أسعار النفط، حيث بلغ سعر البرميل خمسة دولارات أمريكية، و أدى هذا إلى تراجع الخدمات الاجتماعية و مساهمة الدولة في التنمية، كما تزامن هذا الوضع مع تراجع في مستوى كرة القدم الجزائرية، ما أدى إلى صعود نجم الإسلاميين الذين كادوا أن يغيروا شكل الدولة رأسا على عقب، لذا فإن أي شيء يضمن عدم عودة هذه الكوابيس، فإنه مرحب به".
الكاتب: هيثم رباني/ الجزائر
مراجعة: حسن زنيند