هل تنذر حرب غزة بموجة جديدة من التطرف في الشرق الأوسط؟
٢٧ ديسمبر ٢٠٢٣قبل أيام، أعرب المخرج الفلسطينى عمر رمال عن خيبة أمله بشكل جلي تجاه "العالم الغربي" في منشور على صفحته عبر "انستغرام"، قائلا: "لم أعد أحب أن اتحدث لغتهم أو أشاهد أفلامهم وانتاجهم السينمائي ولا أغانيهم أو أتابع مشاهيرهم". وأضاف المخرج الذي يتابعه قرابة 800 ألف شخص على انستغرام: "كلهم في عيني سواء.. قلوبهم كالحجارة..ينظرون لي ولأمثالي على أننا دون البشر".
ولا يعكس الرأي الذي أعرب عنه رمال حالة استثنائية إذ أن هناك الكثيرون في الشرق الأوسط يشاركونه الرأي ذاته. ومنذ هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت الأخيرة بقصف قطاع غزة وشن عمليات برية ما أسفر عن مقتل قرابة عشرين ألفا بحسب السلطات الصحية التابعة لحماس في غزة.
يُذكر أن حركة حماس، مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
القلوب والعقول
خلال الشهرين الماضيين، تسبب تدفق صور الضحايا والدمار التي تعكس ما آلت إليه الأوضاع في غزة، في حالة فزع، فيما يبدو أن حصيلة القتلى الآخذة في الارتفاع بدأت في إحداث تغيرات في الآراء بوتيرة سريعة في الشرق الأوسط، بحسب شبكة "البارومتر العربي" البحثية.
وقالت الشبكة إنها كانت تجري استطلاعا للرأي خاص بتونس عندما وقع هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مضيفة أنها مضت فيه بالتزامن مع اشتداد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة ليجد الباحثون أنه "في غضون 20 يوما فقط، تغيرت آراء التونسيين حول العالم بطريقة نادرا ما حصلت خلال السنوات الماضية".
ونشرت مجلة "فورين أفيرز" الأسبوع الماضي مقتطفات من نتائج الاستطلاع الذي كشف عن أن إسرائيل كانت أقل شعبية بين التونسيين مقارنة بأي وقت مضى، فيما طال الأمر أي دولة تدعم إسرائيل مثل الولايات المتحدة وحتى السعودية التي كانت في طريقها صوب التطبيع مع إسرائيل.
ورغم أن نتائج الدراسة تخص تونس إلا أن بعض تعليقات كبار السياسيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط تؤكد أن صدى هذه الآراء منتشرا على نطاق واسع في المنطقة.
ففي منتصف الشهر الماضي، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء اجتماعه مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي إن الصراع في غزة سوف يغذي التطرف في المنطقة لعقود.
وقبل بضعة أيام، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن وزير خارجية إحدى البلدان العربية قوله إنه يشعر بالقلق حيال تأثير الصراع على الأوساط الشابة في بلاده، مضيفا "إنهم يشاهدون ما يحدث في غزة على شاشات التلفاز وينتابهم شعور بالغضب المتزايد".
ونقلت مجلة "نيولاينز" الأمريكية عن رئيس منظمة في الأردن تُعنى ببناء السلام قوله: "نعلم من جميع أبحاثنا أن العدالة وتصور العدالة تعد المحرك الرئيسي للتطرف".
بدوره، قال الصحفي المصري حسام الحملاوي إنه يعتقد بوجود مشاعر مماثلة في مصر، مضيفا "كانت هناك بالفعل بعض الانتقادات لألمانيا بسبب تصدير الأسلحة إلى الحكومة المصرية الاستبدادية، لكن دعم ألمانيا غير المشروط للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة جعل المصريين أكثر غضبا".
وفي مقابلة مع DW، قال: "شعرت الشعوب سواء في مصر والدول العربية الأخرى بالصدمة عندما رأوا الشرطة في برلين تقوم على ما يبدو بتفتيش وتنميط يستهدف العرب في الشوارع وتقمع المظاهرات - كما لو أن (ألمانيا) دولة ديكتاتورية غير غربية".
تداعيات دبلوماسية
وإزاء ذلك، يطرح مختصون تساؤلات حيال تأثير ذلك على المدى الطويل خاصة وأن استطلاعات الرأي تظهر بانتظام أن القضية الفلسطينية مازالت محورية في الشرق الأوسط حتى قبل السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي. ويشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن الشعوب العربية كانت دائما أقل حماسا إلى حد كبير حيال تطبيع العلاقات بين إسرائيل وحكوماتهم.
بدورها، قالت سلمى الشامي، مديرة قسم الأبحاث في مشروع "الباروميتر العربي"، "لا يوجد نظام حتى لو كان غير ديمقراطي يعد معزولا تماما عن المساءلة العامة". وفي مقابلة مع DW، أضافت "رغم أن الرأي العام قد لا يشكل نفس القدر من التأثير في الدول غير الديمقراطية، إلا أنه يثقل كاهل الأنظمة ويجعل الأمور أكثر كُلفة في حالة إصرار هذه الانظمة على المضي قدما في سياسات تعارضها شعوبها بشكل واضح".
ويرى مراقبون أنه في ضوء ذلك فإنه من غير المرجح أن تتعرض القضية الفلسطينية للتهميش.
وكشف استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة "الباروميتر العربي" عن أن التونسيين قد كونوا أراءً أكثر إيجابية تجاه الحكومة الإيرانية التي تعد من أقوى الداعمين لحركة حماس.
تحول الغضب إلى عنف؟
وكشفت استطلاعات للرأي أجرتها في السابق شبكة "الباروميتر العربي" عن أن المشاركين كانوا أكثر ميلا إلى نبذ استخدام العنف لخدمة أجندات سياسية، غير أن ذلك طرأ على تغيير كما كشف استطلاع الشبكة الأخير.
وأظهر الاستطلاع أن ثلثي التونسيين قبل السابع من أكتوبر / تشرين الأول أيدوا حل الدولتين فيما لم يختر سوى ستة في المئة من التونسيين فئة "الآخر" التي تشير إلى المقاومة المسلحة ما يعني ضمنيا أن أغلبية كبيرة كانت ضد المقاومة المسلحة.
بيد أنه عقب السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي ارتفعت هذه النسبة من 6 بالمئة إلى 36 بالمئة. وقال الباحثون إنه في ضوء أن التونسيين بعيدون عن بؤرة الصراع، فإنهم لا يشكلون قلقا كبيرا، لكن الأمر يمثل إشكالية كبيرة في حالة تغير المواقف بنفس الطريقة في بلدان الجوار الإسرائيلي، فيما لازال الغموض يكتنف إحتمالية أن تؤدي هذه التغييرات في المواقف إلى موجة من التطرف العنيف أو أعمال إرهابية قد تقع في أوروبا أو الولايات المتحدة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعربت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي يلفا يوهانسون عن قلقها إزاء مخاطر وقوع هجمات إرهابية في بلدان التكتّل، مضيفة "مع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس والاستقطاب الذي تسبّبه في مجتمعاتنا، ومع قرب حلول فترة العطل، فإن مخاطر وقوع هجمات إرهابية في الاتحاد الأوروبي هائلة. لقد شهدنا ذلك مؤخراً في باريس وللأسف شاهدناه قبل ذلك أيضا".
وتسبب الصراع في غزة في حدوث انقسامات في مشاعر شعوب الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فضلا عن تزايد الخطابات العنصرية المعادية للسامية والإسلام.
حماس وهجمات محتملة في أوروبا؟
وفيما يتعلق بحماس، يقول خبراء إنه من غير المرجح أن تشن الحركة أعمالا إرهابية في أوروبا. وفي ذلك، كشفت المكتبة الافتراضية اليهودية وجهاز الاستخبارات الوطني الأمريكي عن أن حماس لم ترتكب أي أعمال إرهابية خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت بعض الاعتقالات في ألمانيا وهولندا لأشخاص يُعتقد أنهم على صلة بحماس ويشتبه في "تخطيطهم لهجمات" في أوروبا، لكن خبراء يرون أنه في حالة حدوث هجوم من هذا القبيل فسوف يكون الأول من نوعه، لأن أهداف حماس الرئيسية محدودة إقليميا على النقيض من الجماعات المتطرفة الأخرى مثل "القاعدة" أو "داعش" التي وضعت نصب أعينها أهدافا دولية.
تجنيد المتطرفين
الجدير بالذكر أن داعش استخدمت ما أطلق عليه "المعايير الغربية المزدوجة" لتجنيد عناصر جديدة في صفوفها. بدورها، قالت تانيا ميهرا، الباحثة في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، إن الجماعات ذات التطلع العالمي مثل القاعدة وداعش تدعو عناصرها إلى تنفيذ هجمات ضد اليهود على المدى القصير.
وفي مقابلة مع DW، أضافت تانيا ميهرا بأنه "كلما طال أمد الصراع، كلما تمكنوا بالفعل من تجنيد عناصر جديدة". وأشارت إلى أن كافة أنواع الجماعات تحاول استغلال الصراع لتحقيق أهدافها، موضحة بأن "هذا الأمر يشمل جماعات يمينية متطرفة تستخدمه لتغذية المشاعر المعادية للهجرة والمعادية للسامية، كما يشمل حتى تورط روسيا المزعوم في رسوم نجمة داود على جدران أبنية في باريس الشهر الماضي، إضافة إلى تورط دول أخرى بعيدة عن بؤرة الصراع. وهنا نرى أن الصراع يؤدي إلى زيادة التطرف والتطرف العنيف في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا".
وقال مراقبون إن الجماعات اليمينية المتطرفة في الهند تستخدم الصراع لتشويه صورة المسلمين في البلاد. ورغم أن تنامي خطر التطرف يشكل مصدر قلق، إلا أن سلمى الشامي تؤكد أن هذا الأمر يؤثر سلبا على قضية حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، قائلة: "(قضية) فلسطين ليست ذات أهمية فقط بسبب المخاوف الأمنية. إنها مهمة بسبب حقوق الإنسان وتحقيق العدالة وحق تقرير المصير". وأضافت بأن "الشعوب العربية أكدت باستمرار سواء في مواقفها وأفعالها وسواء أكان ذلك في صراعاتها الداخلية أو صراعاتها الإقليمية - أن هذه القيم الأساسية المعلنة تستحق أكثر من أن تكون مجرد كلام".
أعده للعربية: محمد فرحان