هل تلحق المساعدات الإنمائية أضرارا باقتصاد الدول الفقيرة؟
لا يمر مؤتمر اقتصادي واحد يأخذ على عاتقه مهام التركيز على مشاكل الدول الفقيرة الاقتصادية دون طرح مسألة جدوى تقديم مساعدات إنمائية لدول العالم الثالث ودون أن يشهد خلافات حادة بين الدول الفقيرة من جهة والدول الغنية من جهة أخرى بخصوص هذه المساعدات الإنمائية وتقليص المساعدات الحكومية التي تحصل عليها قطاعات الزارعة في الدول الصناعية. فكلنا نتذكر مهزلة المؤتمر الوزاري الخامس لمنظمة التجارة العالمية الذي نظم في خريف عام 2003 في كانكون المكسيكية وكان مسرحا لفشل المؤتمرين من الجانبين في تسوية خلافاتهم بشأن قوانين التجارة العالمية. وكلنا نتذكر كذلك عدم مقدرة المؤتمر الأخير الذي استضافته جنيف السويسرية على توصل الجانبين إلى اتفاق في هذا الخصوص.
خذوا زمام المبادرة بأنفسكم
وفي حين بقيت وعود الدول الغنية بتقديم 0،7% من الناتج القومي المحلي على شكل مساعدات للدول الفقيرة حبرا على ورق وازدادت في الآونة الأخيرة انتقادات المدافعين عن مصالح الدول الفقيرة حدة، فاجئنا بعض الخبراء الاقتصاديين بتقديم مقترحات ترمي إلى إلغاء كلي للمساعدات الإنمائية التي تحصل عليها دول العالم الثالث. ففي مقابلة أجرتها أسبوعية "دير شبيغل" الألمانية مع الخبير الاقتصادي جيمس شيكواتي، طالب الكيني بإيقاف المساعدات الإنمائية التي تحصل عليها الدول الإفريقية، عازيا ذلك إلى أن هذه المساعدات "تعلم الدول الإفريقية التسول وتساعد على انتشار البيروقراطية والفساد فيها"، على حد تعبيره. وناشد الخبير في المقابلة ذاتها المسؤولين الأفارقة بأخذ زمام المبادرة والتعلم من خبرات دول أخرى نجحت في الخروج من تحت وطأة الفقر ونهضت بقطاعات اقتصادها إلى مستوى أفضل.
المساعدات ليست الحل
ويقول مؤيدو إلغاء المساعدات الإنمائية إن دول مثل مالي أو النيجر تحصل منذ سنوات على مساعدات ألمانية، ولكن هذا لم يساعدها على تحسين أوضاعها الاقتصادية. وبدلا من ذلك يئن تحت وطأة الجوع في البلدين مليونا إنسان لأن الأمطار لن تسقط في العام الماضي والتهم الجراد المحاصيل الزراعية. عدى ذلك يشكو ثلث سكان الدولتين من سوء التغذية. كما يلجأ المؤيدون إلى ضرب مثال جزر القمر التي لم تحصل في السنوات الخمس الأخيرة على مساعدات إنمائية ألمانية، ولكن تطورها لم يكن في هذه السنوات أسوء من التطور الذي شهدته في السنوات العشرين الماضية.
نعم لمشاريع طويلة الأمد
أما المعارضون فلا يعتبرون هذه الحالات أمثلة على فشل المساعدات الإنمائية في تحقيق أهدافها. فعلي سبيل المثال يؤكد مدير المؤسسة الألمانية للتعاون ميشائيل لوزنر أن المؤسسة نجحت في السنوات السبع عشر الماضية بالقرب من عاصمة النيجر نيامي في تحويل 400 ألف هيكتار إلى أراض زراعية. مما ساعد على جني 60 طنا من الذرة البيضاء. من جانبه يقول عبده عبد الله رئيس تحرير مجلة "صدى الساحل" المجلة الوحيدة المتخصصة في الشؤون الإنمائية والاقتصادية في المنطقة إن إلغاء المساعدات الاقتصادية للدول الإفريقية سيؤدي إلى تفاقم الفقر والمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول الإفريقية الفقيرة. ويؤيد الصحافي قيام مشاريع متخصصة لا تقتصر مدتها على عدة سنوات، بل تستمر لعقود من الزمن وتشمل حقول التربية والصحة وتبادل المعلومات. ويضيف عبد الله أنه من يعرف المشاكل التي يعاني منها النيجر، فإنه يجب عليه تأييد قيام مثل هذه المشاريع.
المشكلة في النخبة
ورغم ذلك لا يكف مؤيدو وقف المساعدات الاقتصادية عن جلب الحجج الداعية التفكير في خلق آليات جديدة تعمل على الاستغناء عن مساعدات الدول الغنية. ويعزوا هؤلاء حججهم بالقول إن المشاكل التي تعاني منها القارة السوداء هي تتعلق بنخبها الفاسدة والمنتشرة في معظم هذه البلدان وفي النيجر كذلك. فعلى سبيل المثال تبرعت الحكومة الليبية مؤخرا بآلاف الأطنان من التمر للمساهمة في حل مشكلة الجوع التي يعاني منها الفلاحون في البلد الإفريقي. وبدلا من توزيع هذه المساعدات على الفلاحين بشكل عادل، قام عمدة مدينة أغاديس بتسلم هذه المحاصيل وتوزيعها على معارفه، الذين قاموا بدورهم ببيع هذه التبرعات في الأسواق للفلاحين، على حد قول مصادر صحفية موثوق بها. ويجزم المؤيدون بأن المساعدات تنتفع منها نخب الدول الفقيرة ولا تعود بالنفع على المحتاجين وتلحق الضرر بقطاعات الاقتصاد القومية في هذه الدول.
دويتشه فيله