هل تساهم استضافة البطولات الرياضية في دمقرطة الدول القمعية؟
١٥ يونيو ٢٠١٢تتيح دورات الألعاب الأولمبية والبطولات الرياضية الدولية إمكانيات كبيرة للتعريف بالبلد المضيف. فحفلات الافتتاح الضخمة وإنشاء ملاعب حديثة، الجماهير التي تحتفل بحماس، وحضور نجوم العالم المعروفين كلها فرص لإلقاء الأضواء على البلد المضيف. كما تنشط هذه التظاهرات العملاقة الحركة السياحية وتخدم السياسيين أيضا.
وليست الدول المتقدمة وحدها من يدرك أهمية التظاهرات الرياضية العالمية بل الدول غير الديمقراطية أيضا. ولهذا السبب تقدم ترشيحها لاستضافة البطولات الرياضية العالمية. "بالنسبة للدول غير الديمقراطية، فالتظاهرات الرياضية فرصة لتحسين صورتها عندما تكون البلد المنظم لها"، على حد تعبير فينزل ميشالسكي، مدير الفرع الألماني لمنظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان التي تتخذ من نيويورك مقرا لها. ويضيف ميشالسكي أن بطولة كأس أمم أوروبا وغيرها من التظاهرات هي فرصة لتحقيق الدعاية: فالدول المُنظمة تحاول أن تُظهر للعالم أن وضع بلدها القانوني والسياسي طبيعي وأن الناس يعيشون في سعادة وهناء على عكس ما يدعيه المعارضون. ويرى ميشالسكي أن "الدول المستبدة تستغل هذه التظاهرات الرياضية لتلهي شعوبها وتحول دون قيامهم بالانتفاضة عليها".
دكتاتوريون مغرمون بالرياضة
التظاهرات الرياضية في الدول المستبدة ليست ظاهرة جديدة. وتتذكر أنسغار مولتزبرغر، مؤرخة رياضية في المدرسة العليا للرياضة في كولونيا، الألعاب الأولمبية في سيول سنة 1988، بطولة كأس العالم في الأرجنتين سنة 1978 والألعاب الأولمبية في المكسيك سنة 1968 التي شهدت مظاهرات طلابية دموية. لكن المؤرخة مولتزبرغر تركز على حدث رياضي، ويتعلق الأمر بالألعاب الأولمبية التي احتضنتها برلين سنة 1936 والتي"استغلها النازيون لصرف أنظار الناس عن حقيقة وواقع ألمانيا آنذاك". أما بخصوص كأس أمم أوروبا الحالية المقامة ببولاندا وأوكرانيا فإن المؤرخة مولتزبرغر تؤكد أن اختيار أوكرانيا حدث سنة 2007 وهي الفترة التي كان فيها البلد في طريقه إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحت حكم فيكتور يوتشينكو ويوليا تيموشينكو.
انتقادات بخصوص بيع الأصوات لبعض الدول
ومن بين المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار عند منح فرصة تنظيم تظاهرة رياضية كبيرة الحجم، الرغبة في إشراك عدد كبير من الدول في اقتسام المتعة، ومدى قدرة البلد المضيف على إنجاح التظاهرة كما توضح المؤرخة مولتزبرغر. ولتحقيق ذلك يتم بناء ملاعب مناسبة وتشييد بنية تحتية جيدة، لكن منح الأصوات من طرف أعضاء الاتحاد الدولي أو الأوربي لكرة القدم و اللجنة الأولمبية الدولية لهذا البلد أو ذاك تشوبه نواقص. إذ يتم الحديث عن قيام بعض الأعضاء ببيع أصواتهم لصالح بلد معين، لكن دون وجود براهين وقرئن دامغة تثبت صحة هذه الاتهامات.
منح تنظيم التظاهرات يقود إلى الديمقراطية؟
ويبرر الإتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية منح تنظيم تظاهرات رياضية دولية للدول ذات الأنظمة المستبدة، بالقول إن الرياضة تبني قنطرة للتواصل بين الشعوب والدول وأن منح تنظيم التظاهرات لدول غير ديمقراطية يقود بطريقة غير مباشرة إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في تلك الدول. وحتى نشطاء حقوق الإنسان يرون أن للتظاهرات الرياضية الكبيرة تأثيرا إيجابيا على الدول المستبدة.
"التظاهرات الرياضية فرصة أمام المنظمات غير الحكومية والسياسيين العالميين المنتقدين لسياسات الدول الديكتاتورية، لشد الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان، التي لا تجذب اهتمام المجتمع الدولي"، والكلام لميشالسكي، مدير الفرع الألماني لمنظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان. ويضيف ميشالسكي قائلا: "إن استغلال التظاهرات الرياضية لكشف وضع حقوق الإنسان يمكن أن يدفع إلى ممارسة الضغط الدولي على البلدان المعنية بعدم احترام حقوق الإنسان".
فالألعاب الأولمبية التي احتضنتها الصين كانت فرصة للأصوات المعارضة لسياسة البلد للتعبير عن آرائهم وهو نفس الشيء الذي يحصل الآن في أوكرانيا خلال مباريات كأس أمم أوروبا. فصور الرهبان التيبيتيين المتظاهرين في بكين تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وأثارت اهتمام الرأي العام الدولي. الأمر نفسه ينطبق الآن على أوكرانيا والاحتجاجات التي تعم البلاد ضد اعتقال السياسية المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو. وبالرغم من أن هذه الصور ستبقى راسخة في الذاكرة العالمية لكن المتابعة والفضح الإعلاميين للأوضاع لا يدفعان بالضرورة إلى دمقرطة بلد معين.
التظاهرات الرياضية لا تغير الشيء الكثير
وتعتبر كوريا الجنوبية حالة خاصة في تأثير التظاهرات الرياضية على الوضع السياسي "فمنذ الإعلان على منح تنظيم الألعاب الأولمبية وحتى نهاية الألعاب تبنى البلد إصلاحات ديمقراطية مهمة"، كما تقول المؤرخة مولتزبرغر. فالأنظار التي كانت موجهة صوب البلد من مختلف بلدان المعمورة كانت عاملا أساسيا وراء التطور الذي عرفته كوريا الجنوبية. وهو عكس ما حصل في بطولة كأس العالم في الأرجنتين سنة 1978 والألعاب الأولمبية في المكسيك والألعاب الأولمبية التي احتضنتها برلين سنة 1936 لكن النضال من أجل المزيد من الديمقراطية وضد الديكتاتورية لم يتوقف بل ظل مستمرا بعد تلك الألعاب.
روتا كريستينا/ عبد الرحمان عمار
مراجعة: أحمد حسو