هل تتوقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في المغرب؟
٢١ مارس ٢٠١٣في السابع عشر من أكتوبر الماضي أدانت المحكمة العسكرية بالرباط إبراهيم النوحي لحيازته أسلحة غير مرخص لها، بسنة سجنا غير نافذ وغرامة مالية. بعد صدور الحكم لم يعد هذا الشيخ الثمانيني يملك أي مجال للدفاع عن نفسه غير وسائل الإعلام والأنشطة التضامنية التي نظمتها جمعيات حقوقية لأجله.
فقانون "العدل العسكري" الذي توبع بموجبه النوحي يحرمه من استئناف الحكم، والتذكير بأن الأسلحة التي توبع لحيازتها ليست سوى قطع أثرية احتفظ بها في متحف بادر إلى إنشائه في مدينة طاطا جنوب المغرب، لحفظ جزء من ذاكرة "جيش التحرير"(مقاومة مسلحة) الذي كان ينتمي إليه خلال فترة مقاومة الاستعمار.
الجديد اليوم أن تصحيح هذا الوضع وملاءمة القضاء العسكري مع المعايير الحقوقية للمحاكمات العادلة بات أقرب إلى التحقق، بعد صدور تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي الذي أحدثه الملك غداة حراك 20 فبراير، ينحو في اتجاه الاستجابة لمطالب الحقوقيين بخصوص المحكمة العسكرية. في سياق تميز بالانتقادات التي وجهت للسلطات المغربية وطنيا ودوليا حول "غياب ضمانات المحاكمة العادلة" أثناء محاكمة المتهمين الصحراويين باقتراف جرائم قتل خلال أحداث اكديم إيزيك، في فيبراير شباط الماضي، والتي وصلت فيها الأحكام إلى المؤبد و30 سنة سجنا، ووقعت تلك الأحداث في مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء الغربية إلى خريف سنة 2010.
غياب ضمانات المحاكمة العادلة
في حواره مع DW يوضح محمد الزهاري، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، أن "الدستور واضح في فصله 127 حين يؤكد أنه لا يمكن إحداث محاكم استثنائية. الحال أن المحكمة العسكرية محكمة استثنائية ويجب ملاءمتها مع الدستور الجديد، وإذا اعتبرت محكمة متخصصة فيجب أن تختص فقط بمحاكمة العسكريين مع توفير جميع الضمانات المتعارف عليها دوليا لتكون المحاكمات عادلة."
سواء تعلق الأمر بالمدنيين أو العسكريين يسجل الحقوقيون ملاحظات على إجراءات المتابعة أمام القضاء العسكري. محمد المسعودي، محامي ترافع باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في قضية اكديم إيزيك، يوضح في حواره مع DW أن "المسطرة(الاجراءات) المتبعة في المحاكمات العسكرية لا تنص على إلزامية حضور محامي لمؤازرة المتهم، إذ يمكن أن يكتفي رئيس الجلسة فقط بتعيين عسكري ينوب عن المتهم دون أن يكون بالضرورة محاميا، ما يهدد أحد الحقوق الأساسية للمتقاضين أي الحق في الدفاع."
في نفس السياق يضيف الزهاري "على سبيل المثال الفصل 91 من قانون العدل العسكري يعطي لرئيس الهيئة القضائية صلاحيات واسعة في تدبير الجلسات بحيث يمكنه أن يقبل أو يرفض استدعاء شهود النفي والإثبات كما يشاء، ولا يمكنه رفع الجلسات عندما تنطلق محاكمة ما إلا بقرار معلل ولمدة لا تتجاوز 24 ساعة، ما يجعل المتهمين أمام محاكمات ماراطونية. حتى عسكرة محيط المحكمة والحراسة الأمنية المشددة داخل القاعة توحي مسبقا بأن المتهم تنتظره عقوبات قاسية."
أحكام غير قابلة للاستئناف
بخصوص عدم إمكانية استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية، يذكر رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان بأن "من حق أي مواطن أن تتوفر له جميع درجات التقاضي على اعتبار أن الحكم الصادر في حقه يمكن أن يكون معيبا أو مشوبا بأخطاء معينة، في حين يعتبر قانون العدل العسكري الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية نهائية ولا تقبل التقض إلا على مستوى الشكل." موضحا أن الإمكانية الوحيدة لمراجعة الأحكام "تنحصر في حالة قبول محكمة النقض (المحكمة العليا) طعنا يوجهه محامو المتهمين الذين يجدر بهم إثبات أن مسطرة التقاضي شابتها أخطاء معينة. لكن هذه المسطرة معقدة وطويلة وغالبا ما تنتهي برفض الطعن في الأحكام الصاردة عن القضاء العسكري."
تزامنا مع انتقادات صادرة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية ووطنية بعد محاكمة اكديم إيزيك، جاء تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليؤكد عدم تلاؤم نظام المحكمة العسكرية مع المعايير الحقوقية الضامنة لمحاكمات عادلة.
يتعلق الأمر باقتراحات المجلس لـ"إصلاح المحكمة العسكرية بملائمة النصوص السارية المفعول مع مقتضيات الدستور الجديد والالتزامات الدولية للمغرب." كما ورد في بيان صادرعن الديوان الملكي يشيد بمضامين هذا التقرير وثلاثة تقارير أخرى تندرج كلها في إطار استكمال دستور 2011 من خلال تشريع قوانين تنظيمية أو ملاءمة قوانين قائمة مع ما استجد في هذا الدستور.
وتتضمن اقتراحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان تفاصيل عديدة يلخصها بيان الديوان الملكي في "أن لا تتم متابعة المدنيين أمام المحكمة العسكرية وأن تتم إعادة تحديد اختصاص هذه المحكمة٬ حتى لا تكون المحكمة العسكرية مختصة في وقت السلم إلا بالنظر في الجرائم المتعلقة بالانضباط العسكري٬ أو التي يتورط فيها العسكريون في المس بأمن الدولة أو الإرهاب. أما في المجالات الأخرى٬ فإن العسكريين٬ ستتم مقاضاتهم على غرار مواطنيهم المدنيين أمام المحاكم العادية."
نهاية مرحلة؟
إشادة الملك بهذه الاقتراحات اعتبرت رسالة للهيئات الدولية في وقت يعرض فيه المقرر الأممي الخاص بالتعذيب تقريرا نقديا يؤكد أن ممارسة التعذيب لم تختف بعدُ في المغرب. لكن تعليقات الصحافة المغربية ذهبت في مجملها إلى اعتبار أن الحكومة والبرلمان سيسيران في ذات التوجه الذي رسمه تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان اعتبارا لإشادة رئيس الدولة به في سابقة هي الأولى من نوعها.
لم يتضمن المخطط التشريعي للحكومة لما تبقى من ولايتها تاريخا محددا لتعديل قانون المحكمة العسكرية. كما لم يصدر عن الحكومة أي تعليق حول مقترحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان. مع ذلك يبقى منتظرا أن تقدم وزارة العدل على تعديل هذا القانون خاصة أنها فتحت منذ أشهر حوارا وطنيا حول إصلاح منظومة العدالة. من جهته اكتفى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بالتأكيد على "استقلالية المحكمة العسكرية عن السلطة التنفيذية" و"توفر ضمانات المحاكمة العادلة"، وذلك حين سئل عن الانتقادات الموجهة لهذه المحكمة أثناء نظرها في قضية اكديم إيزيك خلال شهر فبراير الماضي.
في عددها ليوم 12 مارس آذار الحالي، ذكرت جريدة "العلم" الناطقة باسم حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، أن عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، "وجه انتقادات عنيفة جدا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقال إن هذا المجلس يتدخل فيما لا يعنيه، وتحول إلى مكتب دراسات ودعاه إلى الاهتمام بالمعتقلين وبضحايا حقوق الإنسان في بلادنا عوض الغوص فيما هو ليس من اختصاصه." بوانو أكد في اتصال مع DW أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المحكمة العسكرية جزء مما قصده بتصريحه هذا.
علما أن الأخير ساهم إلى جانب الجمعيات الحقوقية وبعض نواب المعارضة في إقناع الحكومة بتعديل قانون تقدمت به السنة الماضية، كان يتيح في صيغته الأولية منح الحصانة للعسكريين أثناء قيامهم بمهام عسكرية داخل التراب الوطني، ما اعتبر حينها تقنينا لمبدأ الإفلات من العقاب الذي تناضل الجمعيات الحقوقية ضده.
ويرى محللون بأن تباين التوجهات السياسية والايديولوجية بين النخب الحقوقية داخل المجلس الوطني لحقوق الانسان وحكومة بنكيران التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، يفسر بعض أبعاد التجاذب بين الحكومة والمجلس، في قضايا حقوقية ومؤسساتية على غرار القانون المنظم للمحكمة العسكرية.