عندما يصبح القتل "لذة" تبعث على الشعور بالنشوة
١٠ فبراير ٢٠١٥هل يمكنني أن أقتل شخصا عمدا؟ أو أن أقطع رأس رهينة؟ أو أن أطلق النار على رجال ونساء وأطفال؟ من نشأ وترعرع في بيئة مسالمة، فإنه سيجيب عن تلك الأسئلة بالرفض، وبشكل قاطع. وبالنسبة للكثير من الناس، فمن المحال أن يفكروا بصفة عفوية في استخدام الأسلحة. وقد أظهرت استطلاعات للرأي، قام بها الجيش الأمريكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أن نحو نصف الجنود فقط قاموا بتسديد بنادقهم على جنود العدو. ولكن النسبة تصل إلى 95 بالمائة لدى الجيل الحالي من الجنود.
ويتم التدرب على عملية إطلاق النار عبر جهاز الكمبيوتر وذلك لتجاوز الرادع الأخلاقي لدى كل واحد منا. "الناس الأصحاء نسبيا لديهم خوف كبير من أن يلحقوا الأذى بأناس آخرين"، على ما يقول المختص في علم الأحياء العصبية يواخيم باور. "بفضل نظام الخلايا العصبية المرآتية الموجودة في المخ، فإن الآلام التي يشعر بها الآخرون هي أيضا نفس الآلام التي نشعر بها أيضا". الخلايا العصبية المرآتية (سميت بهذا الاسم لتشابه وظيفتها مع عمل المرآة حيث تنقل الصورة): هي خلايا عصبية تجعل منا أناسا نتآزر مع الآخرين في محنهم ونشعر بآلامهم.
من تلميذ إلى جندي مقاتل
ولكن وجود مناطق التوتر والنزاعات المسلحة في العالم يؤكد أن هناك أناسا في العالم يفتقدون لهذه الخصلة الإنسانية. فقد زار توماس إلبيرت أماكن يبدو أن الناس فيها قد نسوا المشاعر التي تثيرها عملية إلحاق الأذى بأناس آخرين أو قتلهم. كما أنه تحدث مع مقاتلين يعد القتل من بين أنشطتهم اليومية. والتقى بجنود أطفال أياديهم ملطخة بالدماء. توماس إلبيرت على ثقة بأن كل واحد منا يمكن أن يتحول إلى قاتل. "لقد اكتشفنا في قرية بإحدى مناطق التوتر أنه تم اختطاف فصل دراسي بأكمله"، ويضيف قائلا: "جزء من الأطفال لقي مصرعه، فيما تحول تقريبا كل المتبقون إلى مقاتلين".
ويروي إلبيرت بأن بعض الأطفال قد كشفوا له بأن عملية القتل تصيبهم بحالة من السكر والانتشاء. ويفسر هذه الظاهرة مستعينا بالتشبيه بين عملية القتل والجري لمسافات طويلة، عندما يفرز الجسد الأفيونات. "من لم يقطع مسافة 20 كيلومترا جريا، فلن يعرف هذا الشعور. بيد أن مثل هذه المشاعر موجودة في جسد كل واحد منا". ويضيف قائلا: "كل من لديه تجربة في القتال يصف حالات الثمالة هذه، أي أنها تقريبا لحظات تثير النشوة لدى شخص قام بقتل شخص آخر".
الصدمات النفسية تلحق الضرر بالمخ
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك في المخ البشري من رادع، إذا ما كان الإنسان العادي الذي يتمتع بصحة جيدة لم يولد ليقتل؟ هناك تفسيرات تبين إلى أي مدى يتأثر المخ بعمليات العنف المحيطة به. ويبدو أن الجنود الأطفال قد تعرضوا لصدمات نفسية بشكل ممنهج: وذلك من خلال اغتصاب أمهاتهم أو إعدام أحد من أفراد عائلاتهم أمام أعينهم. ومن خلال هذه الصدمة النفسية يتراجع مدى تأثير الرادع الأخلاقي في أدمغتهم.
ووفقا ليواخيم باور فإنها نفس العملية التي يعرض لها مثلا مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية". ويقول: "هناك عملية وحشية معينة تم اصطحابهم إليها". ويضيف قائلا: "ثم هناك شيء ما يتأذى في المخ ونصل إلى نقطة محددة حيث تفرز مشاعر النشوة. إنها ظواهر سيكوباتية يمكن إنتاجها لدى الجنود الأطفال والتي ليست من التصرفات العادية للإنسان الطبيعي".
العنف ظاهرة لا تقتصر على ثقافة معينة
وقد يؤثر الانتماء الثقافي على اختيار الأسلحة وطريقة القتال والقتل. ولكن هناك قواسم مشتركة على الصعيد البشري في عمليات الاعتداء بالعنف والقتل، على ما يقول توماس إلبيرت. "لقد رأيت في أوغندا كيف يقوم المتمردون بقطع أنوف وآذان وشفاه ضحاياهم – ونفس الأمر عايشته في أفغانستان أيضا".
ويذهب ألبيرت في أبحاثه أيضا لمعرفة ما إذا كانت هناك أمور أو لحظات معينة تثير لدى البعض غريزة القتل على غرار رائحة الدم مثلا. وخلال أبحاثه اكتشف أن مصنعي المواد الغذائية مثلا يستخدمون رائحة الدم في بعض منتجات اللحوم على غرار السجق حتى تبدو للمستهلكين بأنها طازجة. ويقول: "وانطلاقا من هذا الاكتشاف فإن رائحة الدم تعتبر أمرا مقبولا لدى الناس". فهل هذا يعني بأن بداخل الإنسان يختفي حيوان متوحش ومفترس؟
الأبحاث العلمية ترى بأن الإنسان في الواقع محب للسلام والتعايش مع الآخرين في الأمن والأمان، ما لم تحوله الصدمات النفسية إلى قاتل.