مهرجان كولونيا السينمائي-أفلام تنشد حرية التعبير في زمن الإسلاميين
١٨ سبتمبر ٢٠١٣تنوعت الأفلام العربية الحاضرة في مهرجان سينما شمال وجنوب إفريقيا بين القصيرة والطويلة وبين الروائية والتسجيلية، بيد أن الخيط الناظم بينها هو موضوعات السياسة والثورة من زوايا مختلفة.
المخرج محمود بن محمود يتنبأ بثورة الياسمين في فيلم "البروفسور".؟
رغم أن فيلم "البروفسور" وهو الفيلم الرابع للمخرج التونسي وأستاذ السيناريو في بروكسيل محمود بن محمود صُور أسابيع قليلة قبل انطلاق ما يسمى بثورة الياسمين فإنه يمكن إدراجه ضمن صنف سينما الثورة ويمكن النظر إليه كفيلم "يُحرض" عليها. يحكي الفيلم قصة أستاذ جامعي يدرس مادة القانون في العاصمة التونسية في سبعينات القرن الماضي. ورغم كونه فقيهاً في القانون إلا أنه لا يتوانى عن الدفاع عن النظام الحاكم وقمع مطالب الحقوقيين بدايةً من زوجته وعشيقته المتشبعتان بالقيم الثورية. بعد سجن عشيقته يبدأ "البروفسور" في الدفاع عنها لانتزاع براءتها ليكتشف بنفسه حقيقة النظام الحاكم ويقرر مواجهته وفضحه معرضاً نفسه وعائلته للخطر، ليتحول "عصيان" الأستاذ الجامعي إلى دعوة للقيام بثورة حقوقية في تونس لقيت دعم طلبته والعديد من الأشخاص خارج أسوار الجامعة.
وحول تجربة تصوير فيلم جريء في ظل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي المعروف بممارسته للرقابة على الأصوات الحقوقية يقول محمود بن محمود لـ DW عربية: "مخرج الأفلام الروائية ـ عكس الصحفي ومخرج الأفلام التسجيلية ـ ليس بحاجة إلى حرية التعبير بل إلى موهبة". إلا أن الدين "كان ولايزال خطاً أحمراً لا يستطيع المبدعون تجاوزه عكس المواضيع السياسية التي لم تعد كذلك منذ ثورة الياسمين" يضيف محمود بن محمود.
نوري بوزيد "يفضح" السلفيين.
يرتبط اسم المخرج التونسي نوري بوزيد بالسينما الجريئة سياسيا وفكرياً، وهو اختيارٌ قاده إلى السجن في السبعينات من القرن الماضي، وجعله يحظى بجائزة ابن رشد للفكر الحر في ألمانيا، اعترافا بمجهوده في دعم الحوار ونشر الفكر التنويري ونضاله من أجل حرية التعبير. في فيلمه الجديد "ما نموتش" (لن أموت)، الذي عُرض في كولونيا، تناول فيه بوزيد تناقضات المجتمع التونسي خلال ثورة الياسمين وبعدها، خصوصا فيما يتعلق بتنامي الفكر السلفي ومحاولة التضييق على الحريات الفردية. ويصور بوزيد في فيلمه السلفيين المتطرفين كـ" أصوليين" يرفضون الحوار مع الآخرين ويسعون إلى إحكام قبضتهم على المجتمع خصوصاً على النساء المتحررات. "ما نموتش" (لن أموت) هو دعوة من بوزيد للمقاومة وعدم الاستسلام.
السياسة والجنس في ظل حكم الإخوان
في محاولة منها لفهم ما جرى في مصر صورت المخرجة والصحفية لدى صحيفة "نيويورك تايمز" منى النجار فيلما تسجيليا يحمل عنوان "استسلام"، بينما فظلت زميلتها علياء أيمن المشاركة بفيلم يحكي عن سيرتها الذاتية (بورتريه) يحمل عنوان "تطهير ذاتي". وعن فيلمها تقول منى النجار في حديث لـ DW عربية: "الفيلم هو محاولة مني لفهم ما جرى ويجري في وطني، وهي محاولة بعيدة عن المشاعر وتحاول الالتزام بالحياد بدرجة كبيرة". تحمل كاميرا منى النجار الجمهور في رحلة استكشاف للبيت لداخلي لحركة الإخوان المسلمين حيث تابعت حلقات دراسية تحت شعار "عروسة وعريس ضد إبليس" يقدمها خبراء الجماعة للشباب حول التربية الجنسية وكيفية معاملة زوجة المستقبل.
بين فينة وأخرى تنقل المخرجة أنشطة الجماعة في الشارع المصري أثناء الحملات الانتخابية في محاولة منها لإظهار التناقضات بين خطاب الجماعة حول الجنس ونظرتهم الدونية للمرأة.
بدورها طرحت علياء أيمن مجموعة من الأسئلة الوجودية التي تخصها كشابة مصرية تواقة إلى التحرر لكنها لا تريد صدم عائلتها ومقربيها بجرأتها الزائدة. وعن تجربتها تقول علياء أيمن: "كان بإمكاني الحديث بعمق عن جسدي وعن الأسئلة الدينية التي تؤرقني، لكنني لم أفعل ذلك ليس خوفاً لكن من باب الاحترام فقط".
حرية التعبير في ظل المد الإسلامي
لا تخفي المخرجتان المصريتان علياء أيمن ومنى النجار تخوفاتهما من المد الإسلامي إزاء حرية التعبير في المجال الفني في بلدهما، تماماً عكس المخرج التونسي الذي لا يرى أي مجال للخوف. تقول علياء أيمن موضحةً موقفها: "بعد فوز الإسلاميين بالسلطة في مصر سمعنا وقرأنا العديد من التصريحات الصادرة منهم والتي تحرم الفن وتكفر الفنانين والأدباء. ان ذلك جعلني اشعر بالصدمة ".
بالنسبة للمخرج التونسي محمود بن محمود فالوضع السياسي التونسي "مختلفٌ تماماً عما هو عليه الحال في مصر" حيث يقول: "الحكومة التونسية ليست إسلامية مائة بالمائة بل هناك عدة قوى سياسية تساهم في حكم البلاد كالقوى الليبرالية والاشتراكية. فحقيبة الثقافة مثلا ليست في يد وزير إسلامي بل يمسك بزمامهما وزير مستقل، وبالتالي ليس هناك مجال للخوف". ويعتبر محمود بن محمود حادث الاعتداء على المخرج نوري بوزيد على يد سلفيين متطرفين "حالة خاصة".
ويبدو أن المخرجين السينمائيين في تونس عازمون على توثيق التحولات السياسية التي عرفتها بلدانهم في السنتين الأخيرتين وتحليلها من زوايا فنية مؤسسيين لموجة أفلام ما بعد الثورة.