منظومة قانونية وأمنية ألمانية صارمة إزاء الهجرة غير الشرعية
٣ مايو ٢٠٠٨يلفت نظر المتتبع لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين في ألمانيا غياب جمعيات قانونية ينتظمون فيها على غرار ما هو قائم في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وذلك على الرغم من تقديرات المنظمات الإنسانية الألمانية بوجود أعداد ضخمة من المهاجرين غير الشرعيين قد تناهز مليون شخص.
بيد أن السلطات الألمانية تشكك في تلك الأرقام وترفض مطلقا التعامل مع هذه الفئة بمنطق الحلول الجماعية، مثل نظام الحصص المعمول به في عدد من الدول الأوروبية. بيد أن ألمانيا في الوقت ذاته تعتمد نسقا من الإجراءات المعقدة ، يجعلها تسيطر على هذه المشكلة على الرغم من حجمها وإن كانت تتعرض لانتقادات من هيئات حقوقية وإنسانية.
فرانكفورت قبلة المهاجرين المغاربيين
تأتي فرانكفورت ثالثة بعد برلين العاصمة الاتحادية وميونيخ، من حيث استقبالها للمهاجرين غير الشرعيين، حيث تفيد المنظمات الإنسانية بوجود 50 ألف مهاجر غير شرعي يعيشون في المدينة. وبدورها تشير الدوائر الشرطية إلى أن هذه المدينة باتت في السنوات القليلة الأخيرة أكبر وجهة للمهاجرين غير الشرعيين الوافدين من بلدان شمال إفريقيا.
ويشكل مطار فرانكفورت الدولي، واحدا من أهم النقاط التي يستخدمونها، سواء بطريقة غير مباشرة من خلال البقاء في ألمانيا بطرق غير شرعية بعد انتهاء صلاحية تأشيرات السفر، أو مباشرة من خلال تقديم المهاجر نفسه لسلطات الأمن في المطار وطلب اللجوء.
طلبات اللجوء
ومن جهتها تقوم شرطة الحدود الألمانية بوضع طالب اللجوء مؤقتا في مركز الاحتجاز بمنطقة العبور الدولية، حسب مقتضيات قانون اللجوء الألماني الذي يمنع ترحيل شخص يطلب اللجوء قبل تمكينه من فرصة دراسة ملفه من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين وإمكانية استخدامه حق الطعن أمام القضاء في قرار المكتب، وتتدخل منظمات إنسانية لمساعدة اللاجئين في هذه الحالات. وحسب منظمة " كارتياس" الإنسانية فإن 50 في المائة من طالبي اللجوء الوافدين من بلدان المغرب العربي عبر مطار فرانكفورت العام الماضي، رحلوا فورا إلى بلدانهم إثر رفض طلبات اللجوء، وذلك على غرار الذين تضبطهم شرطة الحدود أثناء محاولة التسلل عبر الحدود البرية.
وقد تعرضت هذه الإجراءات إلى انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان، لكن غونتر بكشتاين، رئيس وزراء ولاية بافاريا ووزير داخليتها السابق، يرد على تلك الانتقادات ، وقال في تصريح سابق ل" دويتشه فيله" :
"أنا أومن بسلامة تلك الإجراءات وفعاليتها في الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مع وجود استثناءات تتعلق ببعض الحالات الإنسانية وطالبي اللجوء السياسي، وإلا فما فائدة إدخال أنظمة التدقيق والتفتيش المكثفة إذا كنا سنسمح لكل من أراد الدخول إلى ألمانيا بصورة غير شرعية أن يبقى فيها، ولذلك فإنني أرى ضرورة ملحة في ترحيل فوري لكل من يتم ضبطه وهو يحاول الدخول بصورة غير قانونية".
أما الذين لا يرحلون من المطار فلا يعني أن طلبات لجوؤهم قبلت، بل يتم نقلهم إلى مراكز خاصة باستقبال اللاجئين، لمواصلة إجراءات البحث في مدى استحقاقهم اللجوء وذلك على غرار فئات أخرى من الذين يلقى عليهم القبض في عمليات مراقبة أو يتقدمون تلقائيا بطلبات لجوء.
وتوجد في ألمانيا شبكة واسعة تضم مئات من مراكز استقبال اللاجئين ورعايتهم اجتماعيا وتمنح لهم فيها المسكن والأكل ومساعدة مالية بسيطة، وتحرص السلطات على إدماج المهاجرين غير الشرعيين في هذه المراكز، كي يتسنى لها تصنيفهم في وضع قانوني معين، وفي غالب الحالات باتجاه ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية أوالبلد الأوروبي الذي جاؤوا منه.
شبح الترحيل
يشكل المغاربيون نسبة تتراوح بين 30 إلى 40 في المائة من مقدمي طلبات اللجوء في دوائر الأجانب ومراكز استقبال اللاجئين بولايتي هيسن وشمال الراين- وستفاليا. وانطلاقا من مؤشرات أعداد الذين أوقفتهم مصالح شرطة فرانكفورت، في إطار عمليات التفتيش وحملات المراقبة، فإن الجزائريين والمغاربة يأتون في المرتبة الثالثة والرابعة بعد الهنود والأتراك وغيرهم من الرعايا غير الأوروبيين. وتتولى دائرة الأجانب في كل ولاية استقبال طالب اللجوء وإيوائه، أما قرار منحه حق اللجوء أو رفضه فيعود للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
وتواجه المهاجر المغاربي غير الشرعي صعوبات عديدة من أبرزها اللغة وانعدام الإمكانيات المالية والانقطاع عن عائلته وبلده وضعف تواصله مع مكونات المجتمع الألماني سوى ببعض المنظمات الإنسانية، لكنه يستمر في خوض صراع مرير وسط غابة من الأنظمة القانونية المعقدة، من أجل الاستفادة من ميزات قانون اللجوء كي يتسنى له الحصول على حق البقاء أطول فترة ممكنة، وتفادي الترحيل. وتستغرق إجراءات "حق اللجوء" فترات تمتد من بضعة أشهر إلى سنوات، لكنها بأي حال لا تكسب صاحبها وثائق إقامة دائمة وشرعية في ألمانيا.
ولم يحمل أحدث تعديل لقانون الأجانب الألماني صدر في يوليو تموز 2007، فرصا تذكر للمهاجرين المغاربيين غير الشرعيين للاستفادة من إجراءات السماح لحاملي وثائق "حق البقاء" المؤقت بالحصول على إقامة شرعية ، بينما استفاد منها على الخصوص عشرات الآلاف من اللاجئين الوافدين من العراق والبلقان.
ويعتقد النائب الألماني في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، دانييل كوهين بنديت، أن الإجراءات القانونية الجديدة غير منصفة بحق المهاجرين غير الشرعيين، وأوضح بينديت ل"دويتسه فيله":
" كان يجب منح كل الموجدين حالياً في ألمانيا إقامة شرعية للبقاء، وأرى أن حجة السلطات غير معقولة عندما تقول أن اللاجئين يشكلون عبئاً على النظام الاجتماعي. وهناك بعض النقاط غير مفهومة، فمثلاً التلاميذ الذين تم إدماجهم بنجاح في النظام التعليمي الألماني ووصلوا إلى سن الرابعة عشرة لهم الحق في الحصول على إقامة دائمة،أما أهلهم فليس لديهم الحق نفسه! أريد هنا أن أعرف طريقة تفكير واضعي مثل هذه القوانين، كيف يمكن فعلياً فصل الأطفال عن أسرهم. فهذه كلها أمور لا تعقل ولكن في المقابل لا توجد ريح معارضة لوقف هذه المهازل".
صراع من أجل البقاء
في صراعهم من أجل البقاء في ألمانيا ، يتوخى المهاجرون غير الشرعيين وسائل عديدة ومنها البحث عن شريكة حياة ألمانية، كسبيل للحصول على وثائق إقامة، لكنها تظل تجارب محفوفة بالفشل لأسباب متنوعة.
وعندما تتقطع بالمهاجرين غير الشرعيين السبل القانونية، يتجهون للحياة في الظل (خارج القانون)، لكنهم يظلون تحت وطأة الترحيل في أي وقت، عندما يلقى عليهم القبض في عمليات المراقبة. وما يثير قلق مصالح الشرطة الألمانية هو ارتفاع نسبة الموقوفين منهم بسبب ارتكابهم مخالفات وجرائم. كما لوحظ وجود نسبة 20 في المائة من المحتجزين المغاربيين على ذمة الترحيل في سجن بيرن في ولاية شمال الراين- وستفاليا، الذي يشكل فيه رعايا بلدان شمال إفريقيا 40 في المائة من عدد المحتجزين ويناهز عددهم الإجمالي سنويا ثلاثة آلاف.