من اجل تعليم أكثر فعالية: مدارس دون مقاعد وأخرى تلغي الواجبات المنزلية
٩ فبراير ٢٠٠٨الجلوس طويلاً في الفصول المدرسية وتكليف التلاميذ بالقيام بواجبات منزلية تعد من الأمور المعتادة في المدارس المختلفة في معظم أنحاء العالم. لكن بعض المعلمين والأساتذة في علوم التربية في ألمانيا يشككون في مدى فعالية هذه الطرق التقليدية ويسعون الآن إلى وضع هذه المسلمات موضع البحث للوصول بالتلاميذ إلى أفضل الطرق لتحصيل الدروس.
في أحد مدارس مدينة نويمارك الألمانية الواقعة في ولاية ساكسونيا، يقف التلاميذ في الفصول المدرسية أثناء تلقيهم الدرس. وهذا ليس عقاباً من إدارة المدرسة لسوء سلوكهم، بل هي تجربة جديدة تهدف إلى مساعدتهم على تحصيل الدروس بطريقة أفضل وكذلك على القيام بمزيد من الحركة، مما يعد أفضل من الناحية الصحية. فأمراض الظهر أصبحت الأمراض الأكثر انتشاراً في عصرنا الحالي، نظراً لأسلوب الحياة الذي يعتمد على الجلوس في معظم الأوقات، حتى بالنسبة للأطفال، الذين يجلسون طوال النهار في المدرسة، ثم يجلسون مساءً لأداء واجباتهم المنزلية أو حتى للعب أمام شاشة الكمبيوتر أو لمشاهدة التلفاز.
التحصيل أثناء الوقوف أفضل!
وللحيلولة دون ذلك وجد عدد من الباحثين أن الوقوف لفترات قصيرة أثناء اليوم المدرسي، يساعد التلاميذ على القيام بالمزيد من الحركة كما يساعدهم على التركيز والتحصيل بشكل أفضل. وبدأت المدرسة الإعدادية في مدينة نويمارك بوضع مناضد خشبية عالية في أحد فصولها، حتى يتمكن التلاميذ من الوقوف أثناء الدرس وهو ما يعتبره مدير المدرسة جونتر فرانكه أمراً صحياً بالنسبة للتلاميذ.
وارتفاع المنضدة قابل للتغير، وبالتالي من الممكن خفضه إذا ما تعب التلميذ من الوقوف وأراد أن يجلس. أما أثناء الوقوف، فيقف الأطفال على وسائد أسفنجية، وهو ما يجعلهم في حالة من الحركة الخفيفة المستمرة، مما يساعد على تنشيط الذهن وتسهيل استيعاب المعلومات، كما يحافظ أيضاً على اللياقة البدنية، كما يؤكد المدرب تمارين الحركة توماس موللر، صاحب فكرة هذا المشروع، والذي يضيف أنه لا يجب الضغط على الأطفال، أو تحميلهم أكثر من طاقتهم. ففي الوقت الحالي يقف التلاميذ حوالي ربع ساعة يومياً خلف طاولاتهم، ومن المفترض أن تصل إلى ساعة على الأكثر.
وليست هذه هي الفكرة الجديدة الوحيدة التي تطبق في تلك المدرسة لتشجيع التلاميذ على القيام بالمزيد من الحركة، فهناك كذلك فكرة تطبق منذ سنوات لتشجيع الطلبة على أداء المزيد من الحركة، وهي فكرة "سباق الإملاء". وهذا السباق عبارة عن نصوص توزع في أماكن مختلفة في المدرسة، ويطلب من التلاميذ البحث عنها وقراءتها، ثم يكون عليهم العودة إلى أماكنهم وكتابة ملخص لما قرأوه من الذاكرة.
لا للواجبات المنزلية!
من ناحية أخرى، بدأ العديد من المربيين ومعلمي المدارس في التشكيك في مدى فعالية الواجبات المدرسية، الأمر الذي دفع بعض المدارس إلى إلغائها، والاكتفاء بأداء كل التدريبات المطلوبة داخل المدرسة نفسها. ووفقاً لدراسة قام بها الباحثون في الجامعة التقنية بدريسدن، فإن الواجبات المدرسية، التي وجدت منذ نحو 150 عاماً، منذ وجد نظام المدارس التابعة للدولة في ألمانيا، لا تفيد، بل على العكس. فهي لا تجعل التلاميذ المتفوقين أكثر تفوقاً، كما أنها لا تحسن من مستوى التلاميذ الأقل استيعاباً، والذين عادة ما يشعرون بالمزيد من الفشل، نتيجة عدم تمكنهم من حل الواجبات المنزلية وحدهم. ومن ناحية أخرى، فهذه الواجبات المنزلية تشجع على اللجوء إلى ما يعرف بالمساعدة المسائية، أو الدروس الخصوصية، وهو ما يعني أن أبناء العائلات الفقيرة يصبحون أضعف في المستوى التعليمي.
الواجبات "المدرسية" بدلاً من الواجبات "المنزلية"
ويرى بعض المدرسين أيضاً أن الواجبات المنزلية تؤدي إلى المزيد من التوتر بين الأبناء والآباء، الذين يلحون في مطالبة الأبناء بإنهاء واجباتهم. لذلك فمعظم المدرسين الذين شاركوا في استطلاعات الرأي والدراسات المختلفة، أكدوا أنهم يفضلون نظام مدارس اليوم الكامل، حيث ينهي التلميذ كل واجباته داخل المدرسة بمساعدة مدرسيه. وإحدى المدارس التي بدأت في هذه المبادرة هي مدرسة بيلفيلد التجريبية، في ولاية شمال الراين ويستفاليا.
وعن الفكرة وراء هذا الأمر قالت مديرة المدرسة سوزان تون في حديث لمجلة دير شبيجل الألمانية: "من لا يفهم الدرس، يجلس لساعات طويلة في المنزل في محاولات فاشلة لحل الواجبات"، وأضافت أن الطفل قد يلجأ إلى والديه في هذه الحالة، ولا يجد لديهما المساعدة لأنهما لا يملكان الوقت أو المعرفة الكافية بكيفية توصيل المعلومة للطفل.
وقالت تون منتقدة فكرة الواجبات: "لذلك، فهذا النظام يجعل الأطفال الذين يحتاجون المساعدة لا يجدونها". في مدرسة بيلفيلد، لا يحتاج التلاميذ لأداء أي واجب في المنزل، إلا في حال لم يتمكنوا من إنهائه في الوقت المحدد له داخل المدرسة، وهو أمر لا يتكرر كثيراً كما تؤكد كاميلا شريفرز التلميذة بالمدرسة، ولذلك فتلاميذ المدرسة يجدون الوقت لممارسة هواياتهم الرياضية والفنية وبالتالي تكوين شخصية متكاملة.