مقومات ألمانية عديدة تأهلها لشغل مناصب قيادية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي
١٩ يناير ٢٠٠٧لم تكن ألمانيا ضمن الدول الموقعة على اتفاقية روما عام 1957، والتي تمخض عنها تشكيل المجموعة الاقتصادية الأوروبية والسوق المشتركة فحسب، بل انها نجحت في لعب دور محوري في مسيرة تطور الإتحاد الأوربي خلال العقود الخمسة الماضية، وذلك بفضل عوامل عديدة. فبعد انتهاء الحكم النازي ظهرت حاجة ماسة لدى الألمان للبحث عن هوية أكثر رحابة تحميهم من الوقوع في مأزق الهوية القومية الذي جلب عليهم ويلات الحروب. كما اكتسب موقعها الجيوـ ستراتيجي القائم في قلب القارة الأوروبية أهمية كبيرة، لاسيما في عصر الحرب الباردة، عندما كان العالم منقسم إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي. إذ شكلت ألمانيا عمليا نقطة الاحتكاك المباشر بينهما وكان جدار برلين حينها هو خط التماس والتجسيد الرمزي والمادي للستار الحديدي.
وأصبحت ألمانيا بما تملكه من ثقل اقتصادي وسياسي وكثافة سكانية احد اللاعبين الأساسيين المؤثرين داخل "البيت الأوربي المشترك"، وشاركت في تشكيل ملامح سياساته الداخلية والخارجية وعلاقاته الدولية. ويُلقي دور ألمانيا داخل المؤسسة الأوروبية على برلين مسئوليات كبيرة منها أنها تتحمل نصيب الأسد من تمويل "البيت الأوروبي"، لكنها أيضا تحتل الكثير من المناصب الرئيسية والقيادية في المؤسسات الأوروبية المشتركة.
"الدولة الأكثر أوروبية في الإتحاد الأوروبي"
الملاحظة الأكثر أهمية هي أن ألمانيا كانت ومازالت تمثل نقطة التوازن في السياسة الأوروبية المشتركة، لاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأوروبية وفي المواقف من القضايا الدولية المختلفة. بمعنى أكثر وضوحا حاول الزعماء الألمان على الدوام العمل على الحفاظ على بالروح والهوية الأوروبية للإتحاد الأوربي وبالشخصية المستقلة لهذا الكيان الدولي في وجه التجاذبات الدولية. كما كانوا أكثر حرصا على انتشاله من التعثرات التي رافقت مسيرة تطوره وكادت في بعض الأحيان تعصف به. ولعل الجهود الكبيرة التي بذلتها برلين من أجل التوصل إلى وثيقة الدستور الأوروبي مثال على ذلك، وفي الوقت الحالي تسعى المستشارة الحالية إلى إنقاذ هذه الوثيقة الدستورية الهامة من الجمود الذي أصابها بعد تصويت الفرنسيين والهولنديين عليها بـ "لا" عام 2005.
على العكس منذ ذلك مثلا بريطانيا التي كانت على الدوام الدولة الواقعة جغرافيا في اوروبا وعضو رئيسي في الإتحاد لكنها من الناحية العملية كانت وما زالت أكثر قربا إلى واشنطن منها إلى بروكسل وبالتالي حاولت جر الأوروبيين معها إلى "الحروب الأمريكية" وتوريط الإتحاد الأوروبي في أزمات دولية هو في غنى عنها. ولعل مقولة عضو البرلمان الأوروبي، النائب الهولندي جوليس ماتن بأن "ألمانيا هي الدولة الأكثر أوروبية داخل الإتحاد الأوروبي" هي التعبير الأكثر دقة في توصيف مكانة ألمانيا داخل الإتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق لا يمكن للمرء أن يتناسى النزعة الأوروبية والحماس لدى المواطن الألماني مقارنة ببعض الشعوب الأوربية الأخرى التي أخذ حماسها إزاء خطوات توسيع الاتحاد الأوروبي يتراجع، وأفضل مثل على ذلك رفض الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، ورفض الإنجليز للعملة الأوروبية الموحدة.
حضور ألماني قوي في مؤسسات الإتحاد الأوربي
بتسلم ألمانيا الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي بداية هذا العام وفوز البرلماني الألماني هانز ـ جيرت بوتيرينغ برئاسة البرلمان الأوروبي بعد أن كان على مدى سبع سنوات رئيسا لأقوى كتلة برلمانية فيه، تكون المناصب الرئيسية في المؤسسة الأوروبية المشتركة في يد الألمان. وتبرز المستشارة الألمانية كزعيمة قوية في أوروبا لاسيما بعد ان أصبح كل من توني بلير وجاك شيراك على وشك مغادرة الحياة السياسية. الجدير بالذكر ان المانيا تحتل اكبر عدد من المقاعد قي البرلمان الأوروبي. علاوة على ان رؤساء الكتل واللجان البرلمانية الرئيسية والمهمة فيه تتبوأها شخصيات ألمانية. فرؤساء كل من كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين، وكتلة حزب الخضر ولجان الشئون الخارجية والدستورية والبيئة هم من الشخصيات الألمانية.
في بعض الأحيان يثير هذا الحضور الألماني القوي داخل البرلمان الأوروبي بعض الامتعاض غير المعلن لدى ممثلي الدول والمجموعات الأوروبية الأخرى، حيث يترجم هؤلاء هذا الشعور بالتكتل فيما بينهم عند اختيار توزيع بقية المناصب داخل المجلس. في هذا السياق علق الصحفي والسياسي المعروف دانييل كوهن بينديت بالقول لم يبقى إلا ان يلبي بابا الفاتيكان، الألماني بينيديكت السادس عشر، رغبة رئيس البرلمان الأوروبي، بزيارة لمقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ "حتى يكون كل شيء هنا ألمانيا". غير ان البرلماني الألماني مارتين شولتز، الذي يتولى بدوره رئاسة كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين الاوروبيين، يعتبر الحديث عن سيطرة ألمانية بانه "هراء". ويضيف قائلا "أنا أوروبي من ألمانيا كما هو الحال ايضا بالنسبة للأوروبيين في الكتل الأخرى". وضرب شولتز مثلا على ذلك بالقول هل يمكننا الحديث عن سيطرة برتغالية مثلا عندما تتسلم البرتغال الرئاسة الدورية للإتحاد الاوروبي بعد ستة اشهر الى جانب رئاسة البرتغالي جوزيه مانويل باروزو للمفوضية الأوروبية؟