مصر ليست تونس... اختلاف في مسار ودرجة الخوف من التيار الإسلامي
٣ نوفمبر ٢٠١١جاءت نتائج انتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في تونس، بما شهدته من صعود لقوى الإسلام السياسي لتجعل القوى المدنية المصرية في وضع انتظار قبل اسابيع قليلة من بداية انطلاق انتخابات يتوقع لها تكريس هيمنة الإسلاميين وفلول النظام السابق.
ويقر عصام العريان نائب رئيس حزب العدالة والحرية (الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) بالإختلافات النسبية بين مصر وتونس، لكنها من وجهة نظره لا ترقي إلي وشائج الصلة الأمتن بينهما، فالدولتان عاشتا تحت ربقة إستبداد سياسي همش وطارد وقمع قوى الإسلام السياسي المدني. ومايثبته المشهد التونسي ويعتبره مؤشرا لما سيحدث في مصر، هو الخروج الجماهيري الكبير لإستحقاق إنتخاب اللجنة التأسيسية، هنا تثبت الثورات العربية قدرتها علي إدخال المواطنين صلب العملية السياسية، بعد أن روجت أنظمة الديكتاتورية السابقة علي موت الجماهير، أما عن فوز القوى الإسلامية فهو درس لما أسماه بالقوى الحداثية المدنية التي أغفلت عن عمد الطابع الثقافي لشعوبهم، والذي تعد الهوية الإسلامية جزءا أصيلا فيه، وهو مكون لايتنافى نهائيا مع الانفتاح علي العالم أو الاستفادة به دون استلاب كامل للهوية.
ويرفض رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التفرقة في النشأة أو الظروف بين صعود نموذج النهضة التونسي والجماعة في مصر، فكلاهما يتبنى خطابا وسطيا للإسلام، كما يرفض اتهام جماعته بفقدان طابعها الإصلاحي في إستقطابها العنيف مع النموذج السلفي علي جمهور المتدينين المصريين، فهو يقدر الحجم الحقيقي للسلفيين في مصر، والذي يتوقع أن تعكسه نتائج الإنتخابات، بينما جماعته لها قواعد جماهيرية مختلفة. ويدلل علي رحابة صدر جماعته بدخولها في تحالف انتخابي(التحالف الديمقراطي) يضم نحو 15 حزبا، منهم الليبرالي والقومي والمدني، وما الاستقطاب المفترض إلا تصورا لمن يفترض في نفسه منافسة الجماعة، مشيرا إلي أن الإنفتاح الذي يبديه إسلاميو تونس يؤكد أن ربيع الثورات العربية جاء ليقطع الطريق على "فزاعة الإسلاميين" التاريخية ويعيد تموضع الشعوب في مسارها الذي ارتضته دون وصاية من أحد.
الإسلام السلفي يجعل تونس أفضل من مصر
الشعوب التى دفعت أثمانا باهظة في هذا الربيع يبدو أنها ستكون خارج حصد النتائج، هذا ما يصل إليه أحمد بهاء الدين شعبان القيادي المؤسس في الحزب الإشتراكي المصري تعليقا علي نتائج تونس، وعلى الرغم من رفضه المبدئي المقارنة بين مصر وتونس كما حاول النظام السابق تجسيده في جملة"مصر ليست تونس"، إلا أن نتائج انتخابات الجمعية التأسيسية هناك تؤشر بما لايدع مجالا للشك إلي ماسيحدث في مصر، من سيطرة القوى الإسلامية التي أنتجتها الأنظمة الإستبداية . فكلا البلدين أنغلق فيهما المجال السياسي وتركت الجماهير نهبا لأيدلوجيات الإسلام السياسي، وفي حين يبدو فلول النظام التونسي أقل تمثيلا في الجمعية التأسيسية، سيكون فلول مصر الشريك الأساسي للتيار الإسلامي في صياغة الدستور، فمسار قوى الثورة المضادة تحاول إعادة الزمن للوراء، ومجمل العملية السياسية من لحظة التنحي التاريخية مهندسة بحيث يستعيد النظام هيمنته، فلا قانون مباشرة الحقوق السياسية أعطى للأحزاب فرصها في التأسيس، ولا تقسيم الدوائر يخدم قوى الثورة، ومن ثم يعد نافلة قول، أن الثوار ومن خلفهم جماهير ضحت بعمرها في هذه الثورة ستستبعد من التأثير في مستقبل مصر، وهو ما يجهزها جبرا إلي الإستعداد لموجة ثورية أخرى.
خصيصة أخرى في الشأن المصري لا تتوافر في تونس، هي البزوغ اللافت لقوى التيار السلفي، هذه القوى التي لا تحترم التعدد أو أبسط قواعد السياسة من تقبل للآخر، والتي هي نتاج التربية الأمنية لعصر مبارك حيث دربها علي استهداف خصومه، ستدخل البرلمان بعاصفة من الأفكار القمعية والإستبعادية، وهي حاليا تلقي التدليل من المجلس العسكري وكل المسيسين، وهم كما عبروا جهارا نهارا سيحرقون الأخضر واليابس لو لم يحققوا رؤاهم الظلامية ضد المجتمع، هؤلاء هم الخطر الأكبر بين قوى الإسلام السياسي.
الرهان علي تسييس المجتمع ينهي الفزاعة الإسلامية
بلهجة يملؤها الثقة عبر المرشح الشاب زياد العليمي من الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي عن الخلاف الجذري بين مصر وتونس، فالتصويت على لجنة وضع الدستور في تونس كان تصويتا علي الهوية، فيما الإنتخابات في مصر تعكس واقعا مختلفا، أول ملامحه أن القوى الإسلامية منقسمة بين ثلاثة كتل متصارعة، فيما فوز حزب النهضة في تونس معبر وحده عن التيار الإسلامي، وثانيها أن رهان الإنتخابات في مصر يتطلب السعي لكسر إحتكار فئتين تعبران عن وضع أقلية، هما الفلول السياسية للنظام البائد والتيار الإسلامي، ولو نزل الناس للتصويت بكثافة سيظهر وضعهما كأقلية، ورغم عدم توقعه أن تكون المشاركة بقوة نزول التونسيين إلا أن نزول ولو 50% من المصريين كفيل بتغيير المشهد.
ويضيف عضو ائتلاف شباب الثورة أن تحالف السلفيين والإسلاميين لاحقا متوقع لتهميش القوي المدنية والليبرالية، فتاريخ الإخوان هو الميل غالبا لإبتزاز من يزايد عليهم دينيا، إلا أن ميلهم المتوقع نحو وجهات نظر أكثر تطرفا سيفقدهم جمهورا، هذا الجمهور سيعتمد عليه التيار الليبرالي والمدني في أول انتخابات تالية، خاصة أن التيار الإسلامي يتبنى وجهة نظر متخلفة فيما يخص الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، وهو ماسيكتشفه ناخبه من الجولة النيابية الأولى، ساعتها سيدرك أن السياسة لا علاقة لها بالمجال الديني، وننتهي-علي حد قوله- من هذه الأشكالية مرة واحدة وللأبد.
هاني درويش-القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل