مصر بين الخوف والفقر.. سخط تحت سطح هادئ
٩ أكتوبر ٢٠١٩حالت قوات الأمن المصرية دون وقوع احتجاجات جديدة ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن الهدوء الذي يبدو في الشارع، خادع، فتحت هذا السطح الهادئ، تنمو حالة من السخط على النظام لدى الكثير من المصريين. انتقاد الرئيس مسألة محظورة والمعارضة تم إسكاتها والشرطة وقوات الأمن حاضرة في كل مكان. القليلون فقط يمكنهم فتح أفواههم والتعبير عن رأيهم. خلص شتيفان هاينلاين، مراسل محطة "ARD" الألمانية نشرت تقريرا رصدت فيه الوضع في العاصمة المصرية.
بعيدا عن المتاجر الفخمة في أحياء الأثرياء بالقاهرة، يجد أصحاب الدخل الأقل في سوق إمبابة، المكان المناسب لشراء الخضروات والفواكه.
أم أحمد تشكو غلاء الأسعار الذي امتد لكل شيء حسب قولها. وتضيف الأم لأربعة من الأبناء والمتزوجة من سائق: "نستطيع شراء الدجاج أو السمك مرة واحدة في الشهر، نحتاج للمال لدفع مصاريف ابني الطالب بالسنة النهائية بالجامعة، أحيانا أحصل على مساعدة من شقيقي أو أقترض من المعارف، ثم أرد لهم لأعود وأقترض من جديد، فلا يمكنني إيقاف ابني عن الدراسة".
تعويم الجنيه
بضغط من البنك الدولي، قررت الحكومة المصرية في عام 2016، تعويم الجنية وترك حرية تسعيره للمصارف، تزامنا مع زيادة أسعار الكهرباء والوقود. في المقابل لم ترفع الرواتب والأجور بشكل يذكر. ومنذ ذلك الوقت، زادت معاناة المواطن المصري، إذ تقول البيانات الرسمية، إن ثلث المصريين تقريبا يعيشون تحت خط الفقر، إذ يبلغ دخلهم الشهري ما يعادل 45 يورو.
يلمس حمزة، بائع السمك في سوق إمبابة، هذه التغيرات بشكل كبير، إذ يقول: "من كان يشتري 5 كيلوغرامات، يكتفي اليوم بكيلوغرام واحد، نحن شعب انتهى ولم يعد لديه أمل، أقسم لكم أننا انتهينا".
قليلون فقط هم من لديهم الشجاعة للإفصاح عن إحباطهم، فالمعارضة تم إسكاتها، ومن ينتقد الرئيس، يخاطر بالسجن. ولعل التظاهرات الأخيرة خير دليل على ذلك، إذ شهدت موجة اعتقالات ضخمة. وتشير بيانات منظمات حقوقية، إلى اعتقال أكثر من 2000 شخص خلال موجة الاعتقالات الأخيرة، بين معارضين للنظام وصحفيين ومفكرين ومحامين.
قيود عديدة مفروضة على حرية الصحافة والتظاهر، ورجال الأمن في الملابس المدنية، يراقبون شوارع العاصمة المصرية، في مناخ من بالخوف والترهيب، ولهذا السبب يرفض معظم الناس هنا في سوق إمبابة، الكلام عند سؤالهم عن رأيهم.
محمد علي ودعوات للتظاهر
انتقاد السيسي اتخذ شكلا مختلفا خلال الأسابيع الأخيرة، بعد ظهور المقاول والممثل، محمد علي، وفيديوهاته التي اتهم فيها الرئيس المصري وحكومته بسوء استغلال السلطة والفساد المالي. انتشرت هذه الفيديوهات بشكل كبير، لدرجة أن السيسي نفسه علق عليها خلال مؤتمر الشباب الأخير.
وفي أحد رسائله، يطلب محمد علي من المصريين "النزول في حشود كبيرة بشكل يربك قوات الأمن.. أطلب من أشقائي وشقيقاتي النزول لميدان التحرير". وتسببت هذه الدعوات في حالة توتر لدى الأجهزة الأمنية في مصر، وهو ما يظهر في الرقابة الشديدة على ميدان التحرير، الذي يحمل أهمية رمزية كبيرة، تعود لعام 2011 واحتضانه للتظاهرات التي انتهت بإسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
شهد الميدان خلال الأسابيع الماضية عمليات تفتيش واسعة، إذ يوقف رجال الأمن المارة ويطلبون منهم فتح هواتفهم. نجحت قوات الأمن حتى الآن في حفظ الوضع تحت السيطرة، لكن انتقادات محمد علي لمست نقطة حساسة عند المواطنين، ألا وهي إنفاق المليارات على مشروعات كبرى في وقت يعاني فيه أغلب الشعب.
تدهور في التعليم والصحة
إخفاق في ترتيب الأولويات.. هكذا يصف خبير العلوم السياسية، مصطفى كامل السيد، تصرفات الدولة المصرية ويقول: "لا يوجد أي تطور حقيقي في قطاعات التعليم والصحة، ثمة غياب للإصلاحات الضرورية، لكن في الوقت نفسه ننفق الكثير جدا من المال على العاصمة الجديدة ومشروعات الجيش".
على جانب أحد الشوارع في إمبابة، يقف مايكل في انتظار الزبائن، فالشاب الذي يدرس بكلية التجارة، يساعد والده في قيادة سيارة الأجرة الخاصة به، لكنه يلمس التردي الواضح في الحالة الاقتصادية. يرى مايكل أن حياته هو وأسرته صارت أصعب منذ سقوط نظام مبارك ويقول: "لتر البنزين كان يكلف جنيهين و40 قرشا تقريبا، أما الآن فالأسعار تضاعفت مرات عديدة.. نادرا ما أقابل زبائن لا يسألون أولا عن سعر الرحلة، معظم الناس لديهم حالة من الغضب بسبب ارتفاع الأسعار، لكنهم في الوقت نفسه يتعاطفون معنا لمعرفتهم ما نعاني منه".
زيادة المعاناة وارتفاع الأصوات الغاضبة، قوبلت برد فعل من الحكومة، إذ أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية مؤخرا،عن عودة مليون و800 ألف شخص على بطاقات التموين وذلك "تنفيذا لتكليفات الرئيس".