مشكلة لأردوغان بعد الفوز .. الليرة تواصل تدهورها فمن ينقذها؟
٣١ مايو ٢٠٢٣"هبوط قياسي جديد لليرة التركية"، هكذا تدوي عناوين الأخبار حتى في اليوم التالي لإعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان. وبهذا يتواصل توجه مستمر منذ مدة طويلة. فمنذ بداية العام، انخفضت قيمة الليرة حوالي ستة في المائة مقارنة بالعملة العالمية، الدولار. وفي السنوات الخمس الماضية من ولاية الرئيس أردوغان، هوت قيمة الليرة إلى القاع بنسبة 80 في المائة.
والنتيجة هي: تضخم متفشى. فتركيا يجب عليها استيراد العديد من السلع والبضائع والمواد الخام، والتي أصبحت باهظة الثمن بشكل متزايد بسبب قيمة العملة المائلة للتآكل. في العام الماضي، ارتفعت الأسعار في تركيا رسميًا بنسبة 85 في المائة، أما حاليا، فوفقًا للبيانات الرسمية، فيبلغ الاتفاع حوالي 44 في المائة. بيد أن هناك مراقبين يفترضون قيمًا أعلى من ذلك.
وتعاني الأسر الأكثر فقراً، على وجه الخصوص من ارتفاع الأسعار لأنها يجب أن تنفق جزءًا كبيرًا من دخلها المتواضع على أشياء من الاحتياجات اليومية. وطبقا لدراسة لإحدى النقابات التركية، نشرت العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى ثلاثة أضعاف تقريبًا خلال عام واحد، وبلغت الزيادات معدلا أعلى بعض الشئ بالنسبة للخضروات.
أردوغان يقوض استقلال البنك المركزي التركي
ويلخص البروفيسور أردال يالسين من معهد كيل للاقتصاد العالمي (IFW) التطورات قائلا: "مع زيادة عدم اليقين السياسي وإدخال نظام رئاسي مطلق منذ عام 2018، وقعت تركيا في دوامة هبوط اقتصادية شديدة". ويضيف يالسين أن السياسة الاقتصادية والنقدية "غير التقليدية" لأردوغان هي أيضا تتحمل جزءا من المسؤولية. لأن البنوك المركزية عادة ما تواجه التضخم المفرط برفع لأسعار الفائدة. وبهذا ترتفع تكاليف القروض والاستثمارات، ويهدأ النشاط الاقتصادي والطلب، ومن ثم تنخفض الأسعار مرة أخرى.
لكن أردوغان حال دون ذلك من خلال التدخلات في البنك المركزي التركي وفرضه عليه مواصلة خفض الفائدة على الرغم من الارتفاع الكبير للتضخم. وهذا ليس غير تقليدي فقط وإنما أيضا يتناقض مع التعاليم الاقتصادية المألوفة؛ كما أنه أضاع الثقة لأنه لم يعد هناك بنك مركزي يعمل بشكل مستقل في تركيا.
حجة الرئيس هي أن الشركات سيكون لديها بذلك المزيد من الحرية للاستثمارات، والتي بدورها ستساعد الاقتصاد التركي. وقال يانيس هوبنر، الخبير الاقتصادي في بنك "ديكا"، لـ DW إن "جوهر المشكلة برمتها هو أن أردوغان لا يزال يفكر في القدرة على خفض التضخم بأسعار فائدة منخفضة". ويضيف هوبنر، وهو متخصص في اقتصاديات البلدان الصاعدة مثل تركيا، "وبما أنه سيواصل السيطرة على البنك المركزي، فعلينا أن نفترض أن الثقة في الليرة لن تعود وأن توقعات التضخم ستبقى مرتفعة".
ويشمل النهج غير التقليدي للسياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومة أردوغان تراكم الديون أيضًا. ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي (IMF)، فقد ارتفعت ديون الحكومة التركية أكثر من أربعة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية من رئاسته. وفيما يخص تمويل هذه الديون الحكومية المتزايدة، ستكون زيادة سعر الفائدة بمثابة سم.
الاقتصاد التركي اجتاز الجائحة، لكن..
هنا تحققت نتائج إيجابية فيما يتعلق بنمو الاقتصاد. فبعد جائحة كورونا، بلغت نسبة النمو في عام 2021 حوالي 11 في المائة، وفي العام الماضي 2022 بلغت ثلاثة في المائة على الأقل، على الرغم من آثار حرب أوكرانيا وارتفاع تكاليف الطاقة. فعلى سبيل المثال، يعود قطاع السياحة نحو كامل قوته بعد رفع قيود السفر، التي كانت مفروضة بسبب جائحة كورونا. وتكدرت الحالة الاقتصادية في تركيا بسبب الزلزال، الذي وقع في جنوب البلاد في فبراير/ شباط، والذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، كما شردت الكارثة ثلاثة ملايين آخرين.
وهناك مشكلة أخرى وهي: بسبب الارتياب بشأن الأوضاع الاقتصادية، تكاد لا تتدفق استثمارات مباشرة في البلد، على سبيل المثال من الاتحاد الأوروبي. وقد اتسع عجز الميزان التجاري وتراجعت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. وفي الأسبوع الذي سبق الانتخابات، بلغت احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي التركي أدنى مستوى لها منذ عام 2002.
مساعدات من منطقة الخليج وروسيا
وهنا من الواضح أن تركيا تلقت دعما مندول منطقة الخليج. ففي مقابلة له مع قناة "CNN تركيا" قال الرئيس التركي: "اقتصادنا ونظامنا المصرفي والمالي قويان إلى حد كبير. ففي الوقت الراهن، ضخت بعض دول الخليج الأموال في نظامنا، حتى ولو لفترة قصيرة". ولذلك فإنه يرغب في أن يشكر الدول المانحة بعد الانتخابات، من خلال زيارة هذه الدول الشريكة أولًا، بدلاً من القيام بجولة الزيارة الرسمية التقليدية بعد تولي المنصب، التي تشمل دولًا مثل شمال قبرص أو أذربيجان.
ويفترض أن تكون حكومة أنقرة ممتنة أيضًا لروسيا. فقد حصلت البلاد من روسيا على تمديد لمهلة سداد ديون بقيمة 24 مليار دولار أمريكي وتخفيضٍ في أسعار صادرات الغاز من موسكو. بالإضافة إلى ذلك، تلقت تركيا تمويلًا بقيمة 20 مليار دولار أمريكي في صورة تمويل مشروع لبناء محطة للطاقة النووية في جنوب تركيا.
ميشا إرهارت/ ص.ش