مركز سعودي جديد لمكافحة الإرهاب.. نقطة تحول داخلي؟
٢٩ مارس ٢٠١٦أثارت التصريحات الأخيرة للمستشار العسكري لوزير الدفاع السعودي أحمد العسيري عن عزم السعودية لتجفيف منابع الإرهاب ومصادره، وتعزيز عمل مركز جديد لمكافحة الإرهاب بالرياض- أثارت تساؤلات عن طبيعة هذا المركز، وعن طبيعة الإجراءات السعودية المتخذة من أجل مكافحة الإرهاب.
أقوال العسيري الأخيرة جاءت خلال مؤتمر صحفي الأحد27 آذار / مارس عقب اجتماع لدول التحالف الإسلامي في الرياض، حيث أوضح المستشار العسكري أن "هناك آلية عمل وضعت لمكافحة الإرهاب، وأن هناك حرص على أن تكون عمليات التحالف تحت مظلة الشرعية الدولية"، مؤكدا في نفس الوقت "أن السعودية لها باع طويل في مكافحة الإرهاب مالياً وأمنياً وعسكرياً، وأن المملكة ستسخر خبرتها في ذلك لمساعدة دول التحالف".
خطوة مهمة لمكافحة الإرهاب
رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية في لندن سلمان الدوسري قال في حوار مع DWعربية إن تأسيس مركز تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب في الرياض يعد خطوة مهمة لمكافحة الإرهاب، وتأتي كخطوة ثانية بعد الإعلان عن تأسيس التحالف. ويرى الدوسري أن تأسيس المركز هو خطوة طبيعية نظراً لأهمية تنسيق الجهود بين الدول الأعضاء في التحالف.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن نايف قد أعلن عن هذا التحالف في كانون أول/ ديسمبر من العام الماضي حيث أوضح في بيان له عن "حرص العالم الإسلامي على محاربة الإرهاب، الذي تضرّر منه العالم الإسلامي أولاً، قبل المجتمع الدولي" على حد تعبيره. وقد بدأ التحالف عمله من خلال إنشاء "مركز التحالف الإسلامي العسكري" في الرياض، لتطوير الأساليب والجهود لمحاربة الإرهاب في العالم الإسلامي، ولتنسيق الجهود بين الدول المشاركة.
وفي إشارة إلى وسائل الإعلام الغربية قال الدوسري "إنها كانت كثيراً ما تنتقد عدم قيام الدول الإسلامية بدور كاف لمكافحة الإرهاب، فلما قامت الدول الإسلامية بتحالف عسكري لمحاربة حقيقية وواقعية لهذه الآفة، وأعلنت استعدادها لإرسال قوات لمحاربة الإرهابيين الذين يدعون بأنهم مسلمين، رأينا انتقادات بشأن جدوى هذا التجمع قبل أن يبدأ عمله أصلاً" وتابع الصحفي السعودي "الانتقادات جاءت، بالرغم من أن الغرب تقاعس أصلاً عن القيام بإرسال قوات على الأرض لمحاربة الإرهاب، حتى وهي تضرب حدوده، كما هو الحال في تركيا، والتي هي عضو أساسي في الناتو".
منذ تولي الملك سلمان الحكم، يرى دبلوماسيون غربيون ان السعودية غيرت من سياستها الدبلوماسية الهادئة التي نهجتها على مدى عقود، واعتمدت مقاربة هجومية أكثر في السياستين الإقليمية والدولية. فهي تشارك منذ صيف 2014 في الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقادت منذ آذار/ مارس تحالفا عربيا ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وبحسب اللائحة التي نشرتها وكالة الإنباء السعودية، فالدول المنضوية في التحالف تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي. ومن أبرزها مصر وليبيا وتونس والمغرب الأردن والإمارات والبحرين وقطر والكويت ولبنان ودولة فلسطين والسودان وتركيا وباكستان. كما أبدت عشر دول أخرى أبرزها اندونيسيا، وهي اكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان، تأييدها للتحالف.
حملة علاقات عامة
من ناحيته يرى الباحث في شؤون الإرهاب ألبريشت ميتسغر في حوار مع DWعربية، بأن المملكة العربية السعودية غير قادرة على محاربة الإرهاب بشكل جيد بالشكل الحالي القائم على تحكم المتشددين بأدق تفاصيل الحياة العامة للسكان". وأضاف متسغر أن "العديد من الدول الغربية تعرف أن السعودية غارقة حتى أذنيها في مستنقع الإرهاب، كما أننا شاهدنا انتقادات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والتي قالت بأن مصدر التمويل الأساسي للجماعات الإرهابية يأتي من السعودية كما كشف عنها موقع ويكليكس آنذاك".
وانتقد الباحث الألماني فتح الرياض لمكتب جديد لمكافحة الإرهاب بالسعودية، مؤكدا أن لدى السعودية فعلا مراكز لمحاربة الإرهاب، منها مركز الأمير محمد بن نايف لتوعية الجهاديين، وأيضا مركز الحوار الدولي في فيينا، واعتبر أن افتتاح مركز جديد يأتي في إطار العلاقات العامة فقط، وأيضا لتحسين الصورة أمام الغرب. كما اعتبر الخبير متسغر أن تغلغل رجال الدين في المملكة العربية السعودية، وتسلط الحركة الوهابية التي ترفض الآخرين، وتتمسك المواقف المتشددة سيحول دون اتخاذ الحكومة السعودية لإجراءات جدية لمحاربة الإرهاب".
الوهابية والتشدد
وكانت تغريدة عبر التويتر للباحث السعودي تركي الحمد قال فيها "إن السعودية إذا لم تعلن القطيعة مع ابن تيمية وجماعته، كما أعلن الغرب فنحن في بحر من الضياع" وأثارت التغريدة جدلا كبيرا داخل السعودية، وتحاول الرياض الدفاع عن موقفها في التصدي للتشدد الإسلامي مشيرة إلى اعتقال الآلاف من المشتبه في تطرفهم، وكذلك من خلال تبادل المعلومات مع استخبارات الحلفاء، ومنع رجال الدين الذين يشيدون بهجمات المتطرفين من ممارسة نشاطهم. كما ندد مفتي المملكة أرفع رجال الدين في المذهب الوهابي وأيضا مجلس كبار العلماء، أكبر مؤسسة دينية للمذهب بهجمات باريس وبروكسل وشجب منذ سنوات توجات المتطرفين، الذين يعتبرون من الضالين والكفار.
وفي مقابلة سابقة مع رويترز رفض اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية ما يؤخذ على "الوهابية" بإنها تمثل مشكلة وذكر في مقارنة أن 2144 سعوديا سافروا إلى سوريا فيما قام 5500 مسلم أوروبي بنفس العمل. وأضاف أن رجال الدين والدعاة الذين يحثون المسلمين، بمن فيهم السعوديين، على السفر إلى سوريا والعراق من أجل المشاركة في القتال أو لشن هجمات في مناطق أخرى يعيشون هم أنفسهم في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وليس في المملكة نفسها. ويرد المنتقدون بأن المؤسسة الدينية التي تمولها الدولة تذعن أكثر مما يبدو لرغبات الأسرة الحاكمة ويتهمونها بأنها تلوح بخطر التشدد الديني لتجنب القيام بإصلاحات قد تعرض سلطتها للخطر في نهاية الأمر.
المراقبون يرون أن المشهد السلفي أصبح متفتتا ومتباينا في مختلف أنحاء العالم، حيث لم يعد السعوديون يسيطرون عليه. ففي كثير من الأحيان يلجأ الجهاديون إلى نصوص كتبها فقهاء راحلون من أئمة الوهابية، ويتبنون أسلوبا سعوديا في خطبهم الدينية ، ساخرين من رجال الدين المعاصرين في المملكة، ويصفونهم بأنهم ألعوبة في أيدي نظام فاسد مؤيد للغرب.