مخاوف من "تغوُل" التيار السلفي في الجزائر
٢٨ يونيو ٢٠١٣أعاد النشاط المتزايد للسلفيين والإقبال الكبير للشباب الجزائري على شيوخها مؤخرا، تأجيج مخاوف الأحزاب العلمانية والإسلامية المعتدلة من الفكر الديني، خاصة بعد الربيع العربي وتنامي دور السلفيين في المشهد السياسي في البلاد، رغم أن أدبيات التيار السلفية العلمية في الجزائر لازالت ترفض "التحزب" و"المشاركة السياسية"، وتعارض تيار الإسلام السياسي بناء على هذه المبادئ، ويفضلون بذلك "النصيحة" لأولي الأمر عن أي تحرك احتجاجي معارض مهما كان شكله. ويحصي المتابعون للتيارات الدينية في الجزائر ثلاثة أنواع من التيارات السلفية؛ التيار الأول يمثل السلفية السياسية (السلفية الحركية)، والثاني "السلفية الجهادية" التي تتبنى الجهاد ضد الدولة، و"السلفية العلمية" أي السلفية القائمة على المعرفة الدينية، وهي المسيطرة حاليا على كثير من المنابر في الزمن الراهن.
استفاد التيار السلفي العلمي من الوضع السياسي التي عرفته البلاد خلال ما عرف بـ"العشرية السوداء"، حيث عملت السلطة على تقوية جناح "السلفية العلمية" لتقويض نفوذ "السلفية الجهادية" و"السلفية الحركية" الممثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وسمحت لهم باستعمال منابر المساجد من أجل إقناع الشباب بأفكارهم ومبادئهم التي تبتعد عن السياسة وتركز على التربية وإصلاح المجتمع. إلا أن هذا الدور بدأ حاليا يقلق جهات في السلطة.
التخطيط للاستيلاء على السلطة
ويتهم عدة فلاحي، المستشار الإعلامي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، سابقا، السلفيين بالتخطيط للاستيلاء على مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات الدينية، ويؤكد الأستاذ فلاحي لـ DW بأن خطر السلفيين على الدولة والمجتمع يكمن أولا في إدعائهم "امتلاك الحقيقة المطلقة، والآخرون على ضلالة، وثانيا إتباع هؤلاء لمرجعيات في الخارج مما يجعلهم أداة سهلة لصناعة الفتنة بين الجزائريين، وكذا رفضهم لمظاهر الحداثة والفنون، واحترام القانون، وتولي المرأة لمناصب الشأن العام، كما أن أدبياتهم وأشكالهم غريبة عن المجتمع الجزائري".
سلطة بلا مساجد
وتشن وزارة الشؤون الدينية والزوايا (المدعومة من الرئيس بوتفليقة) حملة إعلامية ناقدة عبر وسائل الإعلام والملتقيات ضد التيار السلفي، الذي تراه قد "تغول"، حيث أقر عبد الله غلام الله، وزير الشؤون الدينية باستيلاء التيار السلفي على المنابر، "وأن الدولة لم تعد قادرة على السيطرة على مساجد الجمهورية، لأن الخطاب السلفي تغلغل فيها، وهذا دليل إدانة للسلطة وخطابها الديني الذي لا يزال تقليدي وبدون مرجعية فكرية واضحة".
رد الجميل واجب
ولمواجهة حملة التشويه التي تستهدف التيار السلفي خرج شيوخ "السلفية العلمية" في الجزائر عن صمتهم، وأصدروا بيانا مطولا، ردوا فيه على الانتقادات التي وجهت للتيار، وأكدوا بأن "السلفية ليست خطرا على الجزائر، ولا على أحد من الناس"، متسائلين في البيان: "كيف تكون خطرا وهي دعوة العلم والأمان والرحمة".
وذكّر الموقعون على البيان، - يتقدمهم الشيخ فركوس أحد أقطاب التيار- بدورهم حينما "عصفت بديارنا رياح الفتنة التي أفسدت الحرث والنسل، وغرر ـ وقتئذ ـ بكثير من الشباب، فحملوا السلاح وصعدوا إلى الجبال"، ولم يتراجعوا "إلا بفتاوى ونصائح وتوجيهات علماء الدعوة السلفية..".
"حملة تشويه للتيار السلفي ومشروعه"
ويرى الشيخ عبد الفتاح عبد الفتاح زراوي حمداش، الناطق الرسمي باسم حزب"جبهة الصحوة الحرة"، غير المعتمد، بأن التيار السلفي يحظى بقبول شعبي كبير، لأن يده لم تتلطخ بدماء الجزائريين، ولم يتورط مع النظام في الفساد، مثل بعض الأحزاب الإسلامية. ويضيف الشيخ عبد الفتاح لـDW بأن التيار السلفي يتعرض إلى مضايقات أمنية كبيرة، وحملة تشويه واسعة، للنيل منه ومن مشروعه. ويتابع صاحب أول حزب سلفي في الجزائر، بأن السلطة ترفض اعتماد حزبنا "لأنها تدرك بأنه لو سمح لنا بالنشاط فسنحصل على الأغلبية خلال ثلاث سنوات فقط، فللتيار السلفي قوة علمية ودعوية وجماهيرية في جميع الولايات، لا يستطيع أحد إنكار ذلك".
ويعتقد الشيخ عبد الفتاح بأن خصوم التيار السلفي يتحركون بخلفيات مذهبية، ويستغلون الملف الأمني لملاحقة أتباع التيار، نافيا في الوقت نفسه مخالفة التيار لمرجعية الجزائريين ومذهب الإمام مالك، معتبرا أن الاتهامات المتعلقة بالانتماء إلى مرجعيات أجنبية "تكيل بها السلطة بمكيالين، حيث يوجد التيار الاخواني والصوفي اللذان ينتميان إلى مرجعيتين عالميتين، لكنهما لا يعاملا بنفس المعاملة". وينتقد عبد الفتاح "سلبية" شيوخ السلفية العلمية، ويعتبرهم فاقدين للمصداقية بسلبياتهم التي أوصلت التيار إلى ما وصل إليه.
مأزق السلطة في التعامل مع الأمر
ويرى الدكتور عامر مصباح أستاذ العلوم السياسة بجامعة الجزائر 3، بأن هناك "حرب باردة" في الجزائر بين التيار السلفي والتيار الصوفي، وأن التحول الفكري الذي عرفه التيار السلفي بدول الربيع العربي في علاقته بالممارسة السياسية، أثر على سلفيي الجزائر، الذين سارعوا هم أيضا إلى طلب اعتماد أحزاب بمرجعية سلفية، وأغلبية أبناء التيار يفضلون المشاركة السياسية. ويضيف الدكتور مصباح لـDW بأن السلطة لم تحسم أمرها بعد في كيفية التعامل مع التيار، الذي شاركها إقناع الشباب الجزائري بوقف العنف في "العشرية السوداء"، معتبرا أن السلطة "في مأزق"، فهي من جهة تتخوف من التيار وممارساته، ومن أن تتحول السلفية العلمية إلى سلفية جهادية لسبب أو آخر، ومن جهة أخرى تحاول الاستفادة من الخدمات التي يقدمها للحفاظ على الهدنة المجتمعية القائمة.
ويعتقد مروان الوناس، الإعلامي بالإذاعة الجزائرية "بأن التيار السلفي لا يشكل أي خطر على الجزائر لأن جهود أتباعه ترتكز على تصحيح السلوك والتربية الروحية، والأكثر من ذلك الغرق في تفاصيل خلافات الفقهاء وعلماء الدين بعضها يعود إلى قرون. ويضيف رضوان في حديثه لـDW بأن السلطة تخشى السلفية الحركية (المسيَّسة)، خوفا من تكرار سيناريو جبهة الإنقاذ، أما السلفية العلمية فهي ـ في رأيه ـ لازالت بحاجة إليها لأداء بعض الأدوار رغم القلق الذي تشكله هذه الأخيرة على بنية المجتمع وانسجامه.