ماذا يجني العراقيون من نفطهم؟
٩ مارس ٢٠١٢بين أخبار زيادة صادرات النفط العراقية إلى أعلى مستوياتها خلال 30 عاما، وأخبار بناء منصات عائمة للتصدير في البصرة ودعوات التيار الصدري لتقسيم موارد النفط على العراقيين، لا يحصل أغلب الناس على دخل يزيد عن 6 دولارات في اليوم. وما زال العراق يعيش على أشكال بدائية من الطاقة، والكهرباء ما زالت حلم الناس المستحيل، والبنية التحتية قديمة متهالكة دمرتها الحروب، والتنمية ضائعة في متاهات الفساد الإداري.
والتساؤل الأكبر ماذا استفاد ويستفيد الناس من نفط بلدهم ؟ تعليقات الفيس بوك على هذا الموضوع جاءت متنوعة ، واغلبها أنحى باللائمة على الحكومة والنخبة السياسية، فيما ذهب قسم قليل منها إلى وجود خلل في التركيبة الاجتماعية في البلد يؤدي إلى تفشي الفساد على مدى عمر اكتشاف النفط في بلد النهرين.
كارتل المستغلين لعائدات النفط
الصحفي هادي جلو مرعي تحدث من بغداد إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية مشيرا إلى أن "البلدان التي تتمتع بثروات ومعادن طبيعة، لابد أن تستفيد من هذه الثروات لإغناء شعوبها وأعمار البنى التحتية وفتح أبواب الاستثمار ودعم الخدمات ، ولكن شعب العراق للأسف لم ينتفع من النفط سواء في العهد الحالي أو العهد الذي سبق، بل اعتقد أن العراقي لم يستفد من نفط بلده منذ اكتشاف النفط في القرن الماضي، ربما باستثناء طفرة نهاية سبعينيات القرن الماضي حيث ارتفع سعر صرف الدينار العراقي إلى مستوى خيالي وصار من العملات المقبولة دوليا، لكن هذا انتهى بالحرب المجنونة مع إيران التي قضت على كل موارد العراق واحتياطياته" .
ولدى سؤاله عن حقيقة ما يقال عن كارتل المستفيدين من عائدات النفط، أكد الصحفي هادي جلو عدم اطلاعه على جزئيات وتفاصيل تتعلق بكارتل مثل هذا لكنه عاد ليشير إلى أن " الحديث يجري في العراق عن وجود هكذا أشخاص وهم مرتبطون بأحزاب سياسية، بل أن بعضهم غير مرتبط بالمنظومة السياسية بل بالمنظومة الاقتصادية من طبقة رجال الأعمال" .
وفي سياق حديثه عن الفساد المستشري في الدولة أشار مرعي إلى أنه لم يعد سرا الحديث عن علميات تهريب وبيع النفط التي تتم من خلال ثقب الأنابيب، وتفريغ الصهاريج، أوتفريغ نصفها أثناء نقلها من المصافي إلى الجهات التي دفعت قيمت شرائها مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها. ثم تحدث عن ظاهرة توقف معامل إنتاج الآجر في منطقة النهروان عن العمل مشيرا إلى أن" معامل أنتاج الطابوق لم تعد تحتاج للعمل ولم تعد تنتج هذه المادة الحيوية في البناء ، لأن أصحاب المعامل الذين يحصلون على حصة يومية بسعر رسمي من النفط الأسود المستخدم في تشغيل هذه المعمل، يقومون ببيع هذه الحصة مباشرة في السوق السوداء ما يحقق لهم أرباحا تفوق أرباح إنتاج الطابوق، وبالتالي فإن صناعة الآجر متوقفة في البلد اليوم بسبب سوق النفط السوداء".
وخلص مرعي إلى القول إن تقاسم السلطة وفق مبدأ المحاصصة هو الذي يعطل كل شيء في البلد وهو مسؤول بشكل كامل عن تعطيل قطاع الكهرباء وعدم تشغيله رغم مليارات الدولارات التي أنفقت في هذا الصدد.
مليارات النفط: أين تذهب؟
حين قامت الحرب بين العراق وبين إيران في سبتمبر/ أيلول 1980 كان العراق يمتلك فائضا في الميزانية قدر بستين مليار دولار، الحرب في عامها الأول أتت على الفائض وغرق العراق في الديون، واستمر انهيار العملة وتدهورها لكن طبقة مثرية من المجتمع بقيت تجني عائدات ضخمة من عمليات تهريب النفط خلال تسعينات القرن الماضي عقب غزو الكويت مستفيدة من عمليات كسر الحصار الاقتصادي الدولي التي خضع لها العراق لتمرير صفقات تهريب نفط مشبوهة كانت عائداتها تصب في أرصدة بضعة أفراد من هذه الطبقة.
الكاتب أحمد طابور المتابع للشأن العراقي دخل في حوار برنامج العراق اليوم من DW عربية شارحا مصير عائدات النفط، ومشيرا إلى أن الحديث عن هذه العائدات يقع في مرحلتين، قبل سقوط نظام صدام حسين ، وبعد السقوط ، ولكن المتضرر في المحصلة كان دائما هو الفرد العراقي، ونسبة الضرر يمكن أن تقاس قبل 2003 وبعدها".
المثير للعجب في العراق أنه يطفو على بحيرة نفطية عملاقة، وانفق أكثر من 30 مليار دولار على قطاع الكهرباء، لكن الجميع يشترون الكهرباء من المولدات الخاصة لأن التيار الحكومي لا يصلهم تقريبا. اتفق الكاتب أحمد طابور مع هذا الرأي مشيرا إلى " أن عملية البناء تستغرق وقتا طويلا ، ولا أنفي أن هناك سرقات وتجاوزات قد وقعت ووظفت لتشكيل عصابات وتكتلات وميلشيات وأحزاب ، ولكن في المحصلة نرى ضوءا في آخر النفق، وإذا عدنا إلى مستوى الدخل قبل 2003 وبعدها يمكن أن نقول أن الفرد كان يعيش فقرا مدقعا قبل 2003، وأصبح فقيرا بعد هذا التاريخ، ويمكنني القول أن جزءا من عائدات النفط تذهب اليوم لإقامة مشاريع ".
وارجع طابور تاريخ تهريب المشتقات النفطية بالحديث عن ظاهرة تعرف بالبحارة مشيرا إلى إنهم طبقة طفيلية بدأت تتاجر بتهريب البنزين في سيارات إلى سوريا والأردن عبر عصابات تولت كسر الحصار الاقتصادي لصالح صدام حسين ومن معه في تسعينات القرن الماضي، ثم تطورت اليوم إلى شبكة كبيرة تتولى تهريب المشتقات النفطية والنفط الخام إلى السوق السوداء داخل العراق والى أسواق دول الجوار، وتضم موظفين وسائقين ومسؤولين كبار وعناصر في الجيش الشرطة.
هل حصلت على نصيبك من نفط العراق؟
في اتصال من بغداد أشار أبو قيصر إلى أن "العراقيين لا يستفيدون من ثروة النفط منذ زمن بعيد، لأنهم شعب غير صادق ابتداء من المواطنين وانتهاء بالمسؤولين".
وفي اتصال من البصرة قال رائد "إن المواطن لا يحصل على حصته من النفط كمحروقات بالسعر الرسمي بسبب الفساد وهو مضطر لشراء نفط التدفئة وغاز الطبخ من السوق السوداء، فأين من هذا الحديث عن نصيبه من عائدات نفط بلده".
علي من البصرة أشار إلى " أن النظام السابق قد أذلّ الموظف لدرجة صارت تحلّ فيها الصدقة عليه، فقد كان دخله في الشهر دولارين، فيما كان سعر 30 بيضة 3 دورات، أي ان الراتب لا يكفي لشراء 30 بيضة، اليوم تغيرت أحوال الموظفين وهذه حقيقة، لكن البلد يفتقر إلى كثير من الخدمات وأهمها الكهرباء والمؤسسات الصحية، حتى أنه لا يوجد مشفى كامل وعصري في كل أنحاء العراق اليوم ، وعلى رئيس الوزراء أن يمارس وظيفته ويسأل وزير الكهرباء لماذا لم ينجز واجبه، ثم عليه أن يقيله".
ماجد في اتصال من البصرة قال" علينا أن لا نقارن بين السيئ والأسوأ، فالجميع متفقون على أن النظام السابق كان سيئا ديكتاتوريا بغيضا، أما اليوم فإن العراق يعيش في ظل نظام ديمقراطي منتخب، وقد كانت الأحزاب التي تشكل المشهد السياسي اليوم جزءا من المعارضة السابقة وعانت كما عانى الشعب من ويلات، لكن علينا ان نقول الحقائق، فقد كانت المشتقات النفطية متوفرة للناس بأسعار زهيدة وكذلك الطاقة الكهربائية، وأتساءل هنا عن مصير المادة 111 من الدستور التي تنص على أن للشعب العراقي أن يستفيد من ثروات بلده؟ أنا كعراقي لم يصلني أي فلس من هذه الثروة ، ومن الخطأ تعليق كل الأخطاء على شماعة النظام الديكتاتوري المقبور، فقد ولى وانتهت أيامه بلا عودة".
عبد الله من البصرة أشار إلى أن الخطأ هو سوء المعرفة، والساسة الجدد تنقصهم الخبرة، كما أن هناك تفاوتا كبيرا في مستوى دخول الناس، والدولة كانت تدعم المواد الغذائية.
غزوان من البصرة أشار إلى مسألة الموازنة التشغيلية معتبرا إياها شماعة تعلق عليها أوجه الإنفاق الاستهلاكي في عملية هدر وفساد لا حدود لها.
ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل