مؤتمر الأمن في ميونيخ يكشف عمق الخلافات بين ضفتي الأطلسي
١٦ فبراير ٢٠١٩لم تكن المواقف السياسية بين طرفي الأطلسي متباينة يوما كما هي عليها الآن في عهد الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب. مؤتمر ميونيخ للأمن وفر منبرا كبيرا كشف عمق الخلافات بين أعضاء حلف عسكري وسياسي لم يتصور أحد منهم وصول العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي إلى المنحدر الحالي يوما ما.
وأعرب قادة أوروبيون، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، خلال مؤتمر الأمن الدولي المستمر لثلاثة أيام في ميونيخ عن استيائهم من سلسلة قرارات أصدرها ترامب واعتبرت معادية لحلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي.
وفي لحظة سادها إرباك الجمعة، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إنه يحمل معه تحيات من ترامب، لكن ذلك قابله الحاضرون بصمت مطبق في قاعة امتلأت بالقادة والوزراء والجنرالات.
من جانبها، اعتبرت ميركل أن توجه واشنطن للإعلان أن عمليات استيراد السيارات الأوروبية تشكل "تهديدا للأمن القومي" هو أمر "يثير الرعب".
كما ترك إعلان ترامب بالتحديد أنه سيسحب القوات الأميركية قريبا من سوريا، حلفاء واشنطن يتساءلون عن كيفية تصديهم لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار هناك. وفي هذا السياق، تساءل وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لو دريان، الذي تنشر بلاده نحو 1200 جندي في المنطقة، عن السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لخلق فراغ في سوريا قد يفيد عدوتها إيران، معتبراً أن المقاربة "غامضة".
وانتقد مصدر في الحكومة الفرنسية خطوة إدارة ترامب بالقول إنها معادلة "نحن راحلون، أنتم باقون". وأضاف "يحاولون التعامل مع تداعيات قرار متسرع ويجعلوننا نحن نتحمل المسؤولية".
وفي خطابه الرئيسي السبت، قدم بنس نصيحة حازمة للدول الأوروبية وغيرها. حيث شدد على تبرير ما أعلنته واشنطن لجهة أن إيران تخطط لـ"محرقة" جديدة ودعا القوى الأوروبية لإلغاء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع طهران، والذي أعلن ترامب انسحاب بلاده منه العام الماضي. وانتقد كذلك قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة عملياتها التجارية في الجمهورية الإسلامية رغم العقوبات الأميركية.
في المقابل، أكدت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الجمعة أن التكتل عازم على المحافظة على "التطبيق الكامل" للاتفاق مشددة على ضرورة ذلك من أجل أمن أوروبا.
من جانبه، شدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على أنه بدون الاتفاق، "لن تكون المنطقة في أمان وسنكون في الواقع أقرب إلى احتمال اندلاع مواجهة مفتوحة".
لكن بنس أشاد ببعض أعضاء حلف شمال الأطلسي بسبب زيادة إنفاقهم الدفاعي لكنه ذكّر آخرين بأن مساهماتهم لا تزال دون الهدف المحدد عند 2% من إجمالي الناتج الداخلي. وشدد كذلك على المعارضة الأميركية القوية لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الروسي الألماني الذي يجري بناؤه، والذي رأى ترامب أنه يجعل أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي "رهينة" لروسيا.
وقال بنس إن "الولايات المتحدة تثني على جميع شركائنا الأوروبيين الذين اتخذوا موقفا قويا ضد "نورد ستريم2"، "سيل الشامل" والمقصود به خط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، ونوصي آخرين بالقيام بالأمر ذاته". وانتقد كذلك صفقات شراء الأسلحة التي ينوي أعضاء في الأطلسي إبرامها مع "أعدائنا"، في إشارة بحسب وسائل إعلام روسية إلى اتفاق مرتقب بين موسكو وأنقرة. وقال بنس "لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب في حال ازداد اعتماد حلفائنا على الشرق". لكن ميركل التي أطلق عليها في بعض الأحيان زعيمة العالم الحر صعدت لهجتها في آخر ولاية لها كمستشارة والتي تنتهي في 2021.
وفي ما يتعلق بالشأن السوري، حيث تسعى قوات كردية عربية مدعومة من واشنطن الى طرد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من آخر معاقلهم، شككت ميركل علنا في مدى حكمة قرار سحب القوات الأميركية. وسألت "هل هي فكرة جيدة بالنسبة للأميركيين أن ينسحبوا فجأة وبشكل سريع من سوريا؟ أم أن ذلك سيعزز مجددا قدرة إيران وروسيا على فرض نفوذهما؟".
وعلى صعيد النزاع التجاري، أصرت على أنه في ألمانيا "نحن فخورون بسياراتنا" موضحة أن أكبر مصنع لعلامة "بي إم دبليو" الفخمة ليس في بافاريا بل في كارولاينا الجنوبية، حيث يتم تصدير السيارات للصين. وقالت "كل ما يمكنني قوله هو أنه سيكون أمرا جيدا أن نعاود المحادثات بعضنا مع بعض".
وفي ما يتعلق بـ"نورد ستريم2"، أكدت ميركل أن أوروبا تشتري الغاز الروسي عبر أنابيب أخرى مشيرة إلى أن المصدر هو "غاز روسي بغض النظر عن مسألة إن كان يأتي عبر أوكرانيا أو عبر بحر البلطيق". وأشارت إلى أن على الغرب مواصلة الحوار مع روسيا رغم النزاع الأوكراني وغيره من الخلافات العميقة. وحذرت ميركل من تراجع التعاون المتعدد الطرف للتعامل مع المشكلات العالمية مؤكدة "علينا بكل بساطة ألا نطيح به".
ح.ع.ح/ع.ش (أ.ف.ب)