ليبيا على صفيح ساخن.. لماذا يخسر حفتر ميدانيا وسياسيا؟
٥ مايو ٢٠٢٠عام كامل قضته قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً وهي تحت حصار قوات رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر ولا تقوم إلا بالدفاع. لكنها انتقلت مؤخراً إلى حالة الهجوم لتبدأ في قلب معادلة القوى على الأرض الليبية.
واليوم وبعد معارك ترهونة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لحفتر بدأت قوات الوفاق في شن هجوم واسع على قاعدة الوطية الجوية آخر معاقل حفتر في غرب ليبيا تمهيداً لاقتحامها. فما سبب تغير استراتيجية حكومة الوفاق الليبية من الدفاع إلى الهجوم؟
من يملك السماء.. يملك الأرض
يرجع بعض الخبراء العسكريين الأمر إلى التفوق الجوي الساحق الذي حظيت به قوات حكومة الوفاق والتي مهدت لانتصارات كبيرة على الأرض. هذه السيطرة الجوية نشأت في الأساس من الطائرات المسيرة التي أمدت بها تركيا حكومة الوفاق إلى جانب مساندة المقاتلات التركية، ما نتج عنه دفع قوات حفتر حتى حدود ترهونة - رأس حربة الهجوم على طرابلس - والتي سيطرت فيها قوات الوفاق على معسكر اللواء التاسع بمنطقة الحواتم وتمكن من أسر عدد كبير من قوات حفتر.
كما استمرت هجمات حكومة الوفاق على عدة محاور في ترهونة بهدف قطع الإمدادات عن قوات حفتر، وهي الاستراتيجية التي نجحت الطائرات المسيرة في تنفيذها إلى حد بعيد، ما جعل قوات الوفاق قادرة بشكل أكبر على مد سيطرتها على الأرض وإجبار حفترعلى التراجع.
يتفق مع هذه الرؤية محمد هنيد، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون ومعهد باريس للعلوم السياسية والمستشار السابق لرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، إذ يقول إن "حكومة الوفاق كانت لا تملك الجو والذي كان يسيطر عليه حفتر بفضل الطيران المصري والإماراتي. الأمر الذي كان يمنع قوات حكومة الوفاق من التقدم على الأرض المفتوحة والتي كانت إذا خرجت من معاقلها في طرابلس وأماكن تمركزها تتعرض لقصف حاد".
ويضيف هنيد في مقابلة مع DW عربية أنه "الآن ومع دخول القوات التركية على الخط والإسناد الذي وصل إلى حكومة الوفاق بفضل اتفاقية الدفاع المشترك الموقع مع تركيا صارت تلك القوات أيضاً تمتلك الجو وقادرة على التهديد وهذا ما سرع بشدة من وتيرة الهزائم التي تعرض لها حفتر بشكل متلاحق".
واستراتيجياً، يعتقد هنيد الخبير في الشأن الليبي أن حفتر لا يمكنه القدرة فعلياً على السيطرة على المناطق التي سيطر في الغرب الليبي شديد الاتساع "وكل ما لديه هى نقاط تمركز وسط هذه المساحات الكبيرة مثل قاعدة الوطية والعجيلات وصرمان وصبراته لهذا وقعت هزائمه بهذا الشكل السريع".
غضب القبائل الليبية..هل يغير موازين القوى؟
وقد يمهد نجاح هجمات حكومة الوفاق على ترهونة - أحد أهم معاقل حفتر في غرب ليبيا- لنجاحات أخرى منها قطع خطوط الإمداد عن قواته في الجنوب، لكن الأهم أنه تسبب في خلاف حاد بين القبائل وخصوصاً قبائل الشرق.
فالخسائر المتتالية لقوات حفتر راح ضحيتها مئات من شباب قبائل الشرق، تلك الخسائر في الأرواح رافقها إحساس بالغدر والخيانة من جانب حفتر الذي فوض نفسه لإدارة شؤون البلاد متجاوزاً بذلك كافة الزعامات والقيادات القبلية الليبية الداعمة له.
وربما يكون ذلك ما دفع عدد من تلك القبائل لإعلان دعم ومساندة حكومة الوفاق:
في هذا الصدد يقول هنيد، أستاذ العلاقات الدولية في السوربون، إن أغلب القبائل الليبية فرضت عليها هذه الحرب فرضاً، "فالليبيون تخلصوا من القذافي وكانوا ينتظرون إقامة دولة مؤسسات ديمقراطية في دولة مدنية لكن تدخل فاعلون إقليميون ودوليون كقطر والإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وإيطاليا ومؤخراً تركيا، فصار هناك صراع داخلي بأجندات خارجية وهناك قوى داعمة لحكومة الوفاق وهناك دول داعمة لمشروع حفتر ووجدت تلك القبائل نفسها وقد فرض عليها هذا الاقتتال".
ويضيف الخبير في الشأن الليبي أن الانشقاقات في معسكر حفتر والقبائل الموالية له طبيعية "لأن حفتر فرض عليهم الولاء والطاعة غصباً بالسلاح لذا وقعت تلك الانشقاقات في أماكن عديدة منها بنغازي. ورأت تلك القبائل ما فعلته قوات حفتر في الناس وخاصة فرقة المداخلة وهي فرقة شديدة الأهمية في مكونات قواته". وأضاف هنيد أن تلك الفرقة "هي أكثر الفرق توحشاً وتطرفاً في ليبيا والتي تعتمد مبدأ الولاء للحاكم المتغلب أيا كانت أفعاله وقد تسببت في فزع الكثيرين من ليبيا من نجاح مشروع حفتر".
خلافات تضرب معسكر داعمي حفتر
ويبدو أن جبهة داعمي حفتر تهتز الآن بشدة. فالسعودية على سبيل المثال غارقة تماماً في أزمتها الاقتصادية الناشئة عن تهاوي أسعار البترول عالمياً وهي الدولة التي تعتمد جُل ميزانيتها على النفط، ناهيك عما تعانيه من تبعات حربها في اليمن التي خسرت على إثرها سياسياً واقتصادياً الكثير من وزنها الأقليمي والدولي.
هناك أيضاً غضب روسي مكتوم تحدثت عنه مصادر مختلفة في الكرملين تصاعد بعد إعلان حفتر نقضه لاتفاق الصخيرات من طرف واحد وقبوله ما زعم بأنه "تفويض شعبي" لإدارة شؤون ليبيا وهي الخطوة التي قالت عنها روسيا إنها فوجئت بها.
أيضاً تواترت أنباء عن فشل مساعٍ إماراتية لإغراء المغرب لدعم حفتر عسكرياً في مقابل إمدادات نفطية واستثمارات مليارية في المغرب وهو ما رفضته الرباط تماما، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته كل من الجزائر وتونس، ما يعني أن هناك تكتلاً مغاريباً يرفض تماماً دعم حفتر وهو أمر لا يعجب أبدا أبو ظبي
أما مصر التي تدعم حفتر بشدة سياسياً وعسكرياً فيبدو أنها أيضاً قد بدأت تغير من موقفها، خاصة مع تزايد احتمالات أن ينشا عن ما يفعله حفتر أن تقسم ليبيا إلى دولتين كما أنها لا تريد أبداً أن تكون طرفاً في حرب مباشرة مع تركيا على الأراضي الليبية.
ويعتقد محمد هنيد، الخبير في الشأن الليبي، أنه من الصعب للغاية تصور استمرار دعم الدول المساندة لحفتر في تقديم المعونة له "فتأثير جائحة كورونا على مسار الأحداث أصبح أوضح من أي وقت مضى بجانب انهيار أسعار النفط ". ويضيف أن "مصر مثلاً رفضت التدخل عسكرياً في ليبيا لأنها لا تريد الصدام مع تركيا، والدول العربية الأخرى لديها مشكلات اقتصادية، ودول أوروبا لديها أزمة كورونا المتصاعدة وكل هذه أمور تمهد لفشل مشروع حفتر الذي كان يراد له أن يكون على منوال النموذج المصري".
وينهي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون كلامه بالقول: "علينا أن نعرف أيضاً أن كامل المشهد المغاربي هو ضد مشروع حفتر بشكل أساسي لذا فالحديث عن مواصلة هذه الحرب أمر عبثي، علماً ان القبائل صار لديها يقين بفشل مشروع حفتر والذي يرون أنه يعمل لصالح أجندات أجنبية".
محمود حسين