ليبيا على صفيح ساخن.. فهل تبرَده الانتخابات أم تزيده سخونة؟
٢٥ نوفمبر ٢٠٢١تستعد ليبيا لإجراء انتخابات رئاسية في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر فيما حولها جدل كبير بدءا بقواعد تنظيم العملية نفسها والقوانين المحيطة بها وليس انتهاء بالشخصيات المثيرة للجدل التي تطمح إلى الفوز بالمنصب الرفيع، مروراً بصراعات المصالح بين دول إقليمية.
73 مرشحا .. وسيف الاسلام خارج القائمة
كان عماد السائح، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا قد أعلن قبل أيام أن العدد النهائي للمترشحين للانتخابات الرئاسية بلغ 98 مرشحاً بينهم امرأتين، فيما يتوقع أن تنشر القائمة النهائية لمن لهم الحق في خوض الانتخابات بعد 12 يوماً عقب انتهاء عمليات التدقيق والطعون والنظر فيها طبقاً للائحة الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء.
وتقدمت معظم الشخصيات البارزة للانتخابات الرئاسية التي سيختار الليبيون خلالها ولأول مرة في تاريخ البلاد رئيسا عبر الاقتراع المباشر، وشملت القائمة أسماء بارزة مثل سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل معمر القذافي والمشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق البلاد، إلى جانب عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب. كما ترشحت امرأتان هما ليلى بن خليفة رئيسة حزب الحركة الوطنية وهنيدة المهدي الباحثة في العلوم الاجتماعية.
لكن في وقت لاحق أعلنت المفوضية استبعاد سيف الإسلام القذاف من قائمة المترشحين - كونه ملاحق دولياً ومحكوم عليه محلياً - وهو القرار الذي كان متوقعاً إلى حد كبير، خصوصاً وأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية تتطلب سجلاً خالياً من الأحكام والملاحقات القضائية، الأمر الذي يفتقر إليه سيف الإسلام.
وأرجعت المفوضية أسباب استبعاد سيف الإسلام القذافي من القائمة الأولية الخاصة بالمترشحين لرئاسة الدولة إلى "عدم انطباق البند السابع من المادة العاشرة في قانون رقم 1 لسنة 2021 والخاص بانتخاب الرئيس الليبي على سيف الإسلام" والذي يشترط على المترشح ألا يكون محكوماً عليه نهائياً في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وهو ذات البند الذي أقصى عدد من المرشحين الآخرين، على رأسهم رئيس المؤتمر الوطني العام السابق، نوري أبوسهمين، ومدير مكتب القذافي سابقاً، بشير صالح، ورئيس جمعية الدعوة الإسلامية السابق، محمد الشريف.
ويعتزم الفريق القانوني لسيف الإسلام الطعن في القرار، واصفاً إياه بـ"القرار السياسي"، مشيراً إلى أن موكله لم يصدر بحقه أي حكم نهائي كما أن سجل الحالة الجنائية يثبت عدم وجود أي سوابق إجرامية.
ووفقا لقرار المفوضية، فقد تم أيضاً استبعاد رئيس الحكومة المؤقتة الأسبق علي زيدان بسبب عدم انطباق البند 2 من المادة 10 التي تشترط عدم تمتع المترشح بجنسية أخرى "ما لم يؤذن له بذلك"، وكذلك بسبب عدم اكتمال حصوله على 5000 تزكية من الناخبين المسجلين لدى المفوضية.
وأصدرت المفوضية أيضا "قرارها القاضي باستبعاد 25 مترشحاً، لا تنطبق عليهم شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، بحسب ما جاء في ردود النائب العام والمباحث الجنائية ومصلحة الجوازات والجنسية". وكشفت المفوضية قائمتها الأولية للمترشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر والذين بات عددهم 73 .
وأكدت المفوضية في وقت سابق أن استلام طلبات الترشح المرفقة بالمستندات ذات العلاقة بالاشتراطات القانونية المقدمة إليها لا يعني بالضرورة أن طلب المترشح قد قُبل.
جدل بشأن قوانين الانتخابات
ويهدد الجدل الدائر حول القواعد الانتخابية - ومن بينها من هم الأشخاص الذين يمكنهم الترشح - بعرقلة الجهود المبذولة لحمل الفصائل الكثيرة المتحاربة على تقبل شرعية القيادة السياسية الموحدة التي تشكلت في الآونة الأخيرة. ولا تزال هناك أصوات رافضة لإقامة الانتخابات في مواعيدها المقررة، لا سيما في ظل رفض كثيرين للقوانين الانتخابية الذين يرون أنها لم تعتمد بشكل قانوني وتوافقي.
ويعد المجلس الأعلى للدولة، وهو بمثابة غرفة ثانية للبرلمان، أكبر الرافضين للانتخابات وقد اتهم رئيس مجلس النواب بإصدار القوانين الانتخابية دون التشاور معه خلافا لما نص عليه الاتفاق السياسي الذي يقتضي مشاركة المجلسين في صياغة هذه القوانين.
ويرفض رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من دون التوافق على القوانين المنظمة للعمليتين، واصفاً العملية الانتخابية بـ"الهزيلة".
وقال المشري، في كلمة خلال الجلسة الـ71 لمجلس الدولة الاستشاري، إن "قانون انتخاب رئيس الدولة غير دستوري ومعيب، ولم يتم التصويت عليه، وعُدّل أكثر من مرة لملاءمته لأشخاص وإقصاء آخرين"، وأضاف أن المجلس لن يشارك في شرعنة هذه "المهزلة"، وستنعكس مواقفه من خلال إجراءات قانونية سيتخذها، قائلاً: "إذا كانت البدايات معوجة فإن النهايات ستكون غير سليمة وسينهار البناء".
كما هاجم عبد الحميد الدبيبة - رئيس الحكومة الليبية المؤقتة - مجلس النواب، واتهمه بأنه قام بإصدار قوانين انتخابية "غير توافقية"، قد تتسبب في مشكلة كبيرة للعملية الانتخابية.
لكن مفوضية الانتخابات قالت إنها "لا تملك حلاً لإعادة تعديل القوانين" وأنها "جهة تنفيذ تطبّق القانون الصادر عن البرلمان الليبي".
مرشحون مثيرون للانقسام
وبين المرشحين لخوض السباق الرئاسي ساسة وزعماء فصائل مسلحة كانوا سبباً للانقسام على مدى عقد اتسم بالعنف، يعتزمون خوض انتخابات تمثل أكبر تحدٍ حتى الآن لمبادرة السلام المدعومة من الأمم المتحدة.
أحد تلك الأسماء التي أثارت جدلاً كبيراً هو سيف الإسلام القذافي، خاصة وأن له حاضنة شعبية ليست بالهينة، فيما توجس آخرون - قبل استبعاده - ممن عارضوا سلطة والده من أن يشن سيف الإسلام حملة شعواء انتقاما لمقتل والده وأن يسير على نهجه في الحكم.
أيضاً يُتهم خليفة حفتر قائد ما يسمي "بالجيش الوطني الليبي" في شرق البلاد بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى منها هجومه الذي استمر 14 شهراً على طرابلس والذي تم إحباطه العام الماضي. ويقول دبلوماسيون إنه يحمل الجنسية الأمريكية أيضاً، في الوقت الذي يُحظر على من يحمل جنسيتين الترشح لمنصب الرئيس.
ومن المحتمل أن يؤدي استبعاد بعض المرشحين الرئيسيين، إلى رد فعل غاضب بين المؤيدين وإلى الطعن في نزاهة الانتخابات. ونقلت صحيفة المرصد الليبية عن بعض المترشحين المستبعدين، إعلان استعدادهم وفرقهم القانونية للطعن في قرار الاستبعاد، داعين أنصارهم للحفاظ على بطاقات الانتخاب.
مخاوف مما بعد الانتخابات
على أن أكثر ما يثير قلق المجتمع الدولي ليس فقط احتمال وقوع خلافات جسيمة أو أحداث قد تعطل إجراء الانتخابات، لكن الأكثر مدعاة للقلق هو رفض بعض المرشحين وأنصارهم لنتائج الانتخابات خاصة ممن لديهم ميليشيات وأسلحة بل ويحظون بدعم إقليمي ودولي.
وتدفع القوى الدولية بشدة نحو إجراء الانتخابات أملاً في الوصول إلى وضع سياسي مستقر في ليبيا. وفي رسالة بالفيديو إلى مؤتمر باريس ، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "ليبيا اليوم أقرب مما كانت عليه منذ سنوات عديدة لحل أزمتها الداخلية وكسر حلقة التحولات السياسية. لا يمكننا تفويت هذه الفرصة والتي تأتي كخطوة تالية أساسية على طريق السلام والاستقرار والتي يجب أن تُبنى على أساس قوي من أطر شاملة وذات مصداقية يمكن أن تضمن نجاحها"
أحد تلك المخاوف أيضاً هو الدور الذي تلعبه المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، خاصة ما يمكن أن تفعله تلك القوات التي تساند شخصيات سياسية بعينها إذا ما خسرت تلك الشخصيات الانتخابات الرئاسية.
وبحسب ما نشر موقع "ميدل ايست مونيتور" فإن مجموعة فاغنر الروسية لديها عدد غير قليل من المرتزقة في ليبيا، يقومون بدعم حفتر. لكن على الجانب الآخر تتواجد أيضاً قوات تركية تقول أنقرة إنها وصلت البلاد بدعوة من الحكومة المعترف بها دولياً، وإن كان البعض يرى أن المساواة بين الجانبين أمر يجانبه الصواب.
وفي مقال له في موقع "عين ليبيا" الإلكتروني، حذر الكاتب الصحفي محمد عمران كشادة من أن "ذهاب الليبيين إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية دون أسس قانونية سليمة وضمانات لن يعود بالاستقرار على البلاد، وإنما سيكون فاتحة لفصل جديد من الصراع في ليبيا عنوانه الأبرز 'مزيد من الانقسامات والصراعات'".
ويرى صغير الحيدري في مقال له بصحيفة العرب الالكترونية أن الليبيين يعولون علي الانتخابات الرئاسية "لوضع حد لسنوات من الانقسام، لكنها قد تُفضي إلى أزمة أمنية خطيرة خاصة في ظل تهديد شق من الإخوان المسلمين بإفسادها، يتقدمه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري".
ويرى محللون أن الغرب لا يريد إلا أن تستقر الأوضاع في ليبيا لإعادة مضخات البترول الليبية إلى العمل، ولا يهم إن كان من سيجلس في منصب الرئاسة ديكتاتور جديد، بحسب ما ذكر موقع "ميدل ايست مونيتور" .
وفي هذا السياق يقول عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن الشاطر إن "الخطر القاتل سيكون إجراء الانتخابات الرئاسية دون موافقة الشعب على الدستور"، مشيراً إلى أن "هناك مؤامرة دولية لتنصيب ديكتاتور جديد" بحسب ما ذكر موقع عين ليبيا.
عماد حسن