لقاء ميركل وبايدن.. رسالة تناغم وطي لصفحة الخلافات؟
١٤ يوليو ٢٠٢١أُشيع في الماضي أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد طرح سؤالا مفاده: "لمن أتوجه إذا رغبت في الحديث مع أوروبا؟ ورغم أن الدبلوماسي الأمريكي المخضرم قد نفى هذا الأمر، إلأ أنه في السنوات الأخيرة، كان مسؤولو السياسة الخارجية الأمريكية على قناعة بأن عليهم التحدث مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عندما يريدون نقاش القضايا الأوروبية الملحة.
فسمعة جيدة باعتبارها شخصية قوية ومتزنة وجديرة بالاحترام فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، فيما يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها مؤيدة بشكل متحمس لحقوق الإنسان والحريات. ومع إجراء الانتخابات العامة في ألمانيا في 26 من سبتمبر / أيلول المقبل، تقترب حقبة ميركل من نهايتها إذ قررت عدم خوض السباق الانتخابي بعد 16 عاما في السلطة.
تعزيز العلاقات بين ضفتي الأطلسي
ومع اقتراب نهاية ولايتها، تقوم ميركل بزيارتها الرسمية الأخيرة إلى الولايات المتحدةحيث تلتقي بالرئيس جو بايدن، فيما من المرجح أن تكون الزيارة بمثابة آخر جولة خارجية كبيرة تقوم بها ميركل. ويسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات عبر الأطلسي عقب تولي بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض خلفا لدونالد ترامب الذي انتهج أسلوبا أحادي الجانب دأب خلاله على مواجهة حلفاء الولايات المتحدة خاصة في التكتل الأوروبي.
وترمي الزيارة المرتقبة إلى تعزيز العلاقات عبر الأطلسي فيما تعد واحدة من الجولات الخارجية القليلة التي تقوم بها ميركل منذ جائحة كورونا. ومن المقرر أن تتطرق المباحثات بين بايدن وميركل إلى أزمة كورونا وسبل التعامل مع تداعياتها.
وقالت مصادر في الإدارة الأمريكية إن بايدن وميركل "سيناقشان التهديد الذي تمثله ظاهرة التغير المناخي وسبل تعزيز الازدهار الاقتصادي والتعاون الأمني الدولي استنادا على القيم الديمقراطية المشتركة."
هل سيخفف بايدن قيود السفر على الأوروبيين؟
من جانبه، اعتبر ماركوس كايم - خبير العلاقات عبر الأطلسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) – زيارة ميركل إلى الولايات المتحدة بمثابة زيارة وداع. وفي مقابلة مع DW، قال "ميركل في المرحلة الأخيرة من ولايتها، لذا فإن زيارتها تعد زيارة وداع بشكل جزئي، فيما تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء الفراغ السياسي الذي ستتركه ميركل عندما تغادر المشهد السياسي".
ومع قرب نهاية حقبتها، فإن ميركل لم تعد تمتلك فرصة كبيرة لإحداث تغيير سياسي حقيقي. وفي ذلك، لا يعتقد كايم أن تدفع ميركل في اتجاه سياسات طويلة الأمد، لكنها ستركز بدلا من ذلك على قضايا بسيطة على سبيل المثال تخفيف قيود السفر الأمريكية. وفي هذا السياق، يقول كايم "الجميع ينتظر قرارا أمريكيا بفتح الحدود أمام المسافرين من منطقة شنغن. هذه القيود لا تعرقل حركة السياحة فحسب وإنما تعرقل النشاط الاقتصادي والتجاري أيضا". واعتبر كايم أن قرار بايدن برفع هذا الحظر سيكون بمثابة لفتة رائعة من إدارته لتوديع ميركل.
التحديات لا تزال قائمة
لا تزال هناك تحديات تواجه جهود عودة العلاقات الأمريكية-الألمانية إلى سابق عهدها. فالولايات المتحدة لا تزال تطالب ألمانيا بزيادة إنفاقها العسكري إلى 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي تماشيا مع هدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة الإنفاق العسكري لبلدانه. وأيضا ترغب واشنطن في أن تلعب ألمانيا دورا استباقيا في الأزمات الخارجية فضلا عن إظهار استعدادها للانخراط العسكري.
وقد توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا أيضا على وقع مشروع خط أنبوب الغاز الروسي "نورد ستريم 2"الذي شارف على الانتهاء إذ من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا. ويعد هذا الخط – من وجهة نظر ميركل البراغماتية- ليس سوى خطوة للبدء في نشاط تجاري مع روسيا وليس أكثر. بيد أن بايدن – ومثلما كان ترامب – يخشى يجعل هذا الخط ألمانيا وأوروبا تعتمدان على روسيا على حساب إضعاف أوكرانيا التي يمر من خلالها الغاز الروسي الذي يصدر لدول أوروبية.
وخلال ذروة جائحة كورونا، انخرطت ألمانيا والولايات المتحدة في تنافس حيال شراء الكمامات وجرعات لقاحات كورونا. كذلك فإن العلاقات عبر الأطلسي ليست على ما يرام، إذ لا تزال بعيدة عن التوافق والانسجام التام.
الخلافات حيال الصين
أشار النائب البرلماني ألكسندر غراف لامبسدورف، خبير الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الحر، إلى أن واشنطن تنظر إلى الحكومة الألمانية بشكل انتقادي. وفي تصريحات لـ DW ، أرجع ذلك إلى "نهج ميركل في التعامل مع الصين الذي ركز على الشق التجاري، وهو ما أغضب الولايات المتحدة". وأشار لامبسدورف إلى أنه يُنظر إلى ألمانيا على أنها طرف غير موثوق فيه بسبب علاقاتها مع روسيا إذ تعرض مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الطبيعي من بحر البلطيق، لانتقادات داخل الولايات المتحدة من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي الوقت الحاضر فإن الولايات المتحدة وألمانيا ليستا حليفين قويين لا يفترقان، وإنما شريكان سياسيان لديهما مجموعة من المصالح المشتركة. وقبل قمة ميركل وبايدن، يبدو أنهما سيسعيان إلى بذل قصارى جهدهما للتقليل من حدة الخلافات.
ومؤخرا، عمل الرئيس بايدن على تشتيت الانتباه بشكل ضمني بعيدا عن التوتر حيال مشروع "نورد ستريم 2" وهو ما أشار إليه كايم. وفي هذا السياق، أوضح الخبير في الشؤون الدولية أن "هناك جهود مشتركة للتركيز على مجالات أخرى وتجميد الخلافات حيال تنامي قوة الصين". وأضاف أنه يمكن أن يفسر الخطوات التي قامت بها إدارة بايدن باعتبارها "محاولة جادة لمنع التصعيد في هذه القضية بسبب أنها ترغب في التعاون مع ألمانيا في قضايا أخرى".
وتحرص الولايات المتحدة على معرفة ما إذا كان يمكنها الاعتماد على حليف أوروبي مؤثر ومستقر خلال أوقات التحولات الجيوسياسية. وحسب رأي لامبسدورف، فإن هذا هو السبب الذي يدفع الولايات المتحدة إلى تقدير الشراكة الثنائية القوية مع ألمانيا بشكل كبير، وإن "العلاقات عبر الأطلسي تشكل أهمية خاصة للإدارة الأمريكية الجديدة". ويضيف النائب الألماني أن "جو بايدن يعد صديقا هاما لألمانيا ولأوروبا، حتى أن وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن قد نشأ في فرنسا". واعترف لامبسدورف بأن تنامي قوة الصين يمثل أكبر تحدٍ استراتيجي "في عصرنا" ولن تهمل واشنطن العلاقات الأخرى حيال هذا الأمر.
"خطاب منمق"
ومن المرجح أن يغلب على لقاء ميركل وبايدن الطابع الودي، إذ من المتوقع أن يسود الحديث عبارات الترحيب والصداقة وأن عصر "أمريكا أولا" كما كان يدعو ترامب قد انتهى وحل مكانه "أمريكا قد عادت" كما تؤكد أجندة بايدن. وقد ظهر هذا النهج جليا خلال الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي إلى برلين إذ أكد بلينكن أن "الولايات المتحدة ليس لديها شريك أفضل من ألمانيا في العالم". وقبل القمة، كان الخطاب الأمريكي منمقا ويتسم بروح الدعم والمساندة.
ففي منتصف يونيو /حزيران الماضي، جرى لقاء بين بايدن وميركل على هامش قمة مجموعة السبع في المملكة المتحدة حيث أشاد الرئيس الأمريكي بالمستشارة الألمانية. وفي مقطع مصور قام بنشره على صفحته على موقع انستغرام، أشار بايدن إلى أنه قال للزعماء الآخرين إن ميركل "أكثر زعيم أوروبي أعجب به." وكتب بايدن في تغريدة على موقع تويتر: "العلاقات بين البلدين أقوى من أي وقت مضى ... وأنا متحمس للترحيب بها (ميركل) في البيت الأبيض الشهر المقبل لمواصلة عملنا معا."
رالف بوزن/ م.ع