لبنان: اعتقال 3 قادة أمنيين والتقرير يعيد هاجس الاغتيالات إلى الأذهان
شهدت الساحة اللبنانية في اليومين الماضيين تطورا بارزا لم تشهده منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. ففي وقت اقترب فيه موعد رفع فريق التحقيق الدولي لتقريره عن اغتيال الحريري إلى مجلس الأمن، فاجأ رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الرأي العام أمس الثلاثاء بإعلانه في مؤتمر صحفي في بيروت أنه اتخذ قرارات تم بموجبها استدعاء عدد من كبار القادة الأمنيين للاشتباه في تورطهم في اغتيال الحريري، وذلك بناء على طلب فريق التحقيق الدولي. ووفقا للسنيورة فإن القضاء اللبناني أصدر خمس مذكرات توقيف أربعة منها بحق مسؤولين أمنيين وخامسة بحق نائب ووزير سابق مقرب من سوريا.
سولانا يرجئ زيارته لبيروت
في الوقت ذاته أرجأ كل من منسق السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وموفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة تنفيذ قرار 1559 تيري رود لارسون زيارتهما لبيروت. وكان من المقرر أن يزور تيري لارسن العاصمة اللبنانية في الرابع من أيلول / سبتمبر القادم. أما سولانا فإنه كان من المقرر أن يتوجه إلى بيروت أمس الثلاثاء. وفيما عزا سولانا إرجاء الزيارة إلى أسباب طارئة في بروكسل، امتنع تيري لارسن عن ذكر الأسباب.
ألماني يقود التحقيقات
وجاء استدعاء القادة الأمنيين الذين كان من أبرزهم قائد جهاز الأمن العام اللواء جميل السيد وقائد جهاز الأمن الداخلي اللواء علي الحاج وقائد استخبارات الجيش العميد الركن ريمون عازر، جاء تمشيا مع طلب الفريق الدولي التابع للأمم المتحدة والموكل بإجراء تحقيقات في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وأكد بيان صادر عن الجهات اللبنانية المختصة أنه لم يتم العثور على النائب السابق ناصر قنديل المقرب من سوريا وتبين لاحقا أنه في دمشق. ووفقا لمصادر وزارة العدل اللبنانية فإن الفريق الذي يترأسه الألماني ديتلف ميليس قيد التحقيق مع القادة الأمنيين. تجدر الإشارة إلى أن حملة الاعتقالات هذه هي الأولى من نوعها منذ اغتيال الحريري في الرابع عشر من شباط / فبراير الماضي. وخاطب السنيورة الشعب اللبناني بعد شيوع الخبر بالقول إن الدنيا " لن تنقلب رأسا على عقب" أثر التحقيقات الجارية وإن هذه التحقيقات لن تلحق الضرر إلا بالمجرمين المسؤولين عن مقتل الحريري.
جنبلاط في باريس
في غضون ذلك، غادر مهددون بالاغتيال لبنان إلى العاصمة الفرنسية طلبا للأمن والطمأنينة. ومن بين هؤلاء كان رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الذي وصل باريس منذ حوالي شهر ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ووزير الإعلام غازي العريضي. كما يتواجد في باريس قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي وصل إلى العاصمة الفرنسية قبل شهر لإجراء فحوصات طبية ولكنه لم يعد إلى بيروت لغاية اليوم. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري المدرج اسمه على قائمة منسوبة إلى القاعدة ـ جند الشام فقد اتخذت الجهات الأمنية اللبنانية إجراءات أمنية مشددة لحمايته.
من هو رفيق الحريري؟
يُطلق على رفيق الحريري مهندس إعادة إعمار لبنان. وهو رجل يتمتع بسمعة عالمية ونفوذ واسع في الاوساط المالية والسياسية الدولية. والرجل دخل عالم السياسة من باب الاقتصاد، إذ بدأ حياته كرجل أعمال ناجح في المملكة العربية السعودية. وهناك أقام العديد من المشاريع الاستثمارية في الطائف وحصل بعدها على الجنسية السعودية. ثم امتدت استثماراته لتشمل دولاً عديدة في الوطن العربي وأوربا. وعلى إثر ذلك توسع نفوذه ليضم استثمارات إعلامية، إذ أسس شبكة تلفزيون المستقبل، كما قام بشراء إذاعة الشرق التي تبث من باريس، إضافةً إلى امتلاك نسبة أسهم في دار النهار العريقة. وتولى الحريري رئاسة مجلس وزراء لبنان بعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي كرس التوزيع الطائفي لمراكز السلطة في لبنان. وبناء عليه يتولى منصب رئيس البلاد مسيحي ماروني ومنصب رئيس الوزراء مسلم سني، أما منصب رئيس مجلس النواب فيتولاه مسلم شيعي. على صعيد آخر تبنى الراحل إعادة إعمار ما دمرته الحرب عن طريق مشروع مشروع ضخم لتطوير العاصمة بيروت. وعليه أعاد تخطيط المدينة مرة أخرى بهدف تحويلها إلى قبلة لعالم الأعمال والسياح مجدداً.
واستقال الحريري في اكتوبر/تشرين أول الماضي من منصبه اثر أزمة نشبت بينه وبين رئيس الجمهورية إميل لحود. وجاء ذلك على خلفيات اتباع الأخير لسياسة تقارب شديدة مع سورية، بينما كان الحريري أكثر ميلاً للاعتدال والمحافظة على علاقات متوازنة معها. وقد أثارت الاستقالة آنذاك علامات استفهام كثيرة حول مستقبل العلاقات السورية- اللبنانية. ووصل الأمر إلى احتمالات تدخل دولي في الملف اللبناني على خلفية الدعم الشديد الذي يحظى به الحريري من قبل فرنسا وصداقته للرئيس الفرنسي جاك شيراك. وجاءت استقالة الحريري عشية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 المطالب بإنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان وتجريد حزب الله من أسلحته.
دويتشه فيله