قانون اللجوء المصري الجديد ـ تنظيم أم تقييد حقوق اللاجئين؟
٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤وافق مجلس النواب المصري قبل أيام قليلة على قانون اللجوء الجديد الذي سينظّم أوضاع اللاجئين وسينقل هذه المسؤولية من مفوضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين إلى مصر.
ووفق القانون الجديد الذي ينتظر موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي النهائية، ستضع مصر إطاراً قانونياً خاصاً بها يمكنها من خلاله معالجة طلبات اللجوء المتزايدة والبتّ في الموافقة عليها أو رفضها.
تخطط الحكومة المصرية لتطبيق القانون الجديد في أقرب وقت ممكن، إذ صرّحت الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي أن أعداد اللاجئين من السودان، وسوريا، وجنوب السودان، واليمن، وإريتريا، وغزة قد بلغ حوالي 9 ملايين لاجئ.
وحتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول لم يتم تسجيل سوى 800 ألف لاجئ فقط لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبموجب ذلك يحقّ لهم الحصول على المساعدات والرعاية الصحية والتعليم.
أما الغالبية العظمى من اللاجئين فيعيشون في مصر دون الحصول على وضع لاجئ بشكل رسمي، وبالتالي لا يمكنهم تلقّي المساعدة أو الحصول على حق التعليم والرعاية الصحيّة، ويعتمدون في العيش على مدخراتهم الشخصية أو على المساعدات المجتمعية أو على مساعدة الأقارب والمتطوعين أو على التبرعات.
ولكن نقل مسؤولية تنظيم أوضاع اللاجئين من منظمة الأمم المتحدة إلى مصر يثير مخاوف بعض جماعات حقوق الإنسان على حدّ تعبير كيلي بيتيلو، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فتقول لـ DW: " يتم النظر إلى القرار من جانب سلبي، إذ ترى منظمات حقوق الإنسان أنه يسحب المهمة من الأمم المتحدة والمنظمات المعتمِدَة على حقوق الإنسان".
هذا التخوّف ليس جديداً، فلطالما اتهم ناشطو حقوق الإنسان مصر بسجلّ مروّع فيما يتعلق بحقوق الإنسان، الأمر الذي تفاقم جراء الحرب في غزة، ولكن دور مصر البارز في أزمة الشرق الأوسط ودورها في مكافحة الهجرة غير النظامية جعل الدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب مترددين في توجيه الانتقادات لها خوفاً من خسارتها كشريك استراتيجي في المنطقة.
محاولة الموازنة بين الحقوق والالتزامات
وفق بيان حكومي، يهدف قانون "تنظيم لجوء الأجانب في مصر" بالنسبة للحكومة المصرية إلى توفير إطار قانوني شامل للاجئين يضمن التوازن بين حقوق اللاجئين والتزامات مصر الوطنية.
وبمجرّد دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ، سيتم البتّ في جميع مسائل اللاجئين واللجوء من قبل لجنة شؤون اللاجئين الدائمة التي أُنشأت حديثًا بقيادة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
وينصّ مشروع القانون المكوّن من 39 مادة على أن منح صفة لاجئ أو تجديدها سيعتمد على ثلاث قضايا رئيسية.
أولاً، يجب على اللاجئين وطالبي اللجوء احترام دولة مصر وتقاليدها.
ثانياً، يُحظر على اللاجئين القيام بأي فعل يضرّ بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفاً فيها، ويحظر أيضاً ارتكاب أي عمل عدائي ضد بلدهم الأصلي أو أي دولة أخرى.
ثالثاً، يُحظر عليهم الانخراط في أي نشاط سياسي أو حزبي، أو أي عمل داخل النقابات العمالية، بما في ذلك تأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي شكل من الأشكال في أي حزب سياسي.
بنود "مقلقة" تثير انتقادات داخلية وخارجية
تثير بنود القانون الجديد مخاوف عديدة من الداخل والخارج، فتشعر منى بالخوف، وهي سودانية من الخرطوم هربت إلى مصر إثر اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل/ نيسان عام 2023، وقالت لـ DW: " أصبحت القاهرة بالنسبة لي وللعديد من أعضاء المجتمع المدني السوداني ومجموعات المقاومة الشبابية قاعدةَ لنا، وأتساءل إذا كان يمكن اعتبار ذلك مخالفاً للقيم والتقاليد المصرية!".
ويرى تيموثي إي. كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن قانون اللجوء الجديد في مصر يحتوي على بنود مقلقة، ويُغفل بعض حقوق الحماية الأساسية الضرورية واللازمة لتوافقه مع القانون الدولي.
وقال كالداس لـ DW: "إن الضمانات التي تمنع إعادة طالبي اللجوء قسرًا إلى بلدانهم الأصلية عندما يكون من غير الآمن القيام بذلك، هي حماية أساسية مكفولة بموجب القانون الدولي"، وأضاف: "قانون اللجوء الجديد في مصر لا يضمن هذا الحق بالحماية".
وفي بيان مشترك، رفضت 22 منظمة حقوقية مصرية ودولية مشروع القانون الجديد هذا الأسبوع، وجاء في البيان: "مصطلح "الأمن القومي" المذكور في القانون مصطلح فضفاض وغامض، وبالتالي يمكن استخدامه لتقييد حقوق اللاجئين دون رقابة أو الحق في اللجوء إلى القضاء".
تضييق الخناق على النازحين الفلسطينيين؟
منذ أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في غزة، ردد الرئيس المصري السيسي مراراً وتكراراً أن بلاده لن تستقبل أعداداً كبيرة من النازحين الفلسطينيين، كما أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستزيد من تضييق الخناق على الفلسطينيين في مصر على حدّ تعبير بيتيلو، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ففي مصر ـ حسب المسؤول الأوروبي ـ لا تمتلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولا وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وصاية مباشرة على اللاجئين الفلسطينيين. وفي ظروف معينة ومحدودة للغاية، يمكن للنازحين الفلسطينيين في مصر الحصول على الحدّ الأدنى من الحماية والدعم بموجب ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة.
وتضيف بيتيلو: " تريد مصر المزيد من السيطرة على قضية اللجوء، وخاصة في حالة اللاجئين الفلسطينيين، لأنها قضية سياسية بارزة وحساسة للغاية وقضية يتقبلها الشعب المصري بشدّة".
تلبية مطالب الشركاء الأوروبيين
ومن جانبه يرى كالداس أن مصر تمضي قدماً في قانونها الجديد بناءً على طلب من شركائها الأوروبيين، فيقول: "تم تمرير القانون بطلب من شركاء مصر الأوروبيين الذين يسعون إلى تعزيز دورها كدولة مضيفة". فبالإضافة إلى دور مصر في استقبال اللاجئين الإقليميين، تلعب دوراً مهماً كونها أحد شركاء أوروبا في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وقد تكون اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتونس لعام 2023، التي هدفت إلى الحدّ من أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي مقابل حزمة مساعدات كبيرة لتونس، نموذجاً على ذلك. وقد وفعت مصر مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مشابهة .
وفي مارس/ آذار عام 2024 دخل الاتحاد الأوروبي في شراكة استراتيجية مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار (ما يعادل 7.4 مليار يورو) لتعزيز استقرار البلاد وجهود مكافحة الهجرة غير النظامية.
أعدته للعربية: ميراي الجراح