في استثناء عربي: الموريتانيون يحتفون بالمطلقات
٢٠ يوليو ٢٠١٠يتبارى الشعراء عادة في التغزل بالمرأة المطلقة في موريتانيا، بل ويعبر كل واحد منهم عن رغبته في الزواج بها، حتى ولو كان ذلك من باب المجاملة. كما أن الرجال الموريتانيين لا يجدون مشكلا في الزواج من المرأة المطلقة، بل إن بعضهم يفضلون المرأة المطلقة على العازبة التي لم تتزوج من قبل.
وقد زادت هذه الظاهرة مع انتشار الطلاق في موريتانيا بشكل غير مسبوق، حيث تنتهي عادة 40 زيجة بالطلاق من كل مائة حالة زواج في موريتانيا، كما تؤكد الدراسات أن نسبة 72 في المائة من المطلقات للمرة الأولى يتزوجن مرة ثانية، بينما تبلغ نسبة النساء اللواتي تزوجن بعد طلاقهن الثاني نسبة 20%، و6.7% تزوجن للمرة الرابعة، أما نسبة النساء اللواتي تزوجن خمس مرات أو أكثر فتصل إلى 1.5%. وترتفع نسبة الطلاق خاصة في أوساط الأغلبية العربية، مقابل انخفاضها لدى الأقلية الزنجية التي تسمح فيها العادات بتعدد الزوجات.
من دوافع الطلاق حظر تعدد الزوجات
ويرجع عدد من الباحثين أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في الأوساط الاجتماعية الموريتانية لعدة عوامل من بينها الطقوس الاحتفالية التي تستقبل بها المرأة عند طلاقها، والتزام الرجال لها بتعويضها عبر ظاهرة تعرف باسم "التحراش" ويقوم بموجبها الرجال غير المتزوجين بالتظاهر برغبتهم في الزواج من المطلقة والإقبال عليها فور عودتها إلى بيتها، فضلا عن أن الرجال الذين يطلقون زوجاتهم لا يجدون رفضا من النساء الأخريات حتى ولوا عرفوا بإدمانهم على الطلاق، هذا فضلا عن أنه لا يوجد لدي المجتمع الموريتاني ما يعرف ب"مؤخر الصداق"، حيث لا يلزم الرجال عادة بدفع المؤخر في حال انفصالهم عن زوجاتهم.
وترفض المرأة الموريتانية بشكل قاطع، خصوصا من الأغلبية العربية، تعدد الزوجات عكس الأوساط الزنجية التي تسمح بذلك، وهو ما "يحصر الرجل العربي في جحيم البيت" ـكما قال أحد الرجال لدويتشه فله، و"يدفعه للخروج من بوابة الطلاق أو اللجوء إلى الزواج العرفي السري، الذي ينتهي عادة اكتشافه بالطلاق أيضا"، وبالتالي فإن كل الأبواب مفتوحة على الطلاق في المجتمع الموريتاني كما هي مفتوحة على الزواج بعد الطلاق.
ومن المفارقة أن تكون كثرة زواج المرأة وتعدد طلاقها "مصدر فخر" للمرأة الموريتانية بل ودليلا على جمالها ورغبة الرجال فيها، الأمر الذي قد يدفع بعض النساء أحيانا إلى التباهي بعدد زيجاتهن، ويدفعهن ذلك إلى الطلاق بغية إضافة رقم جديد في عدد أزواجهم، باعتبار ذلك أمرا تفخر به المرأة، لأن الجميلة هي التي لا تكاد تنهي عدتها على فراش أهلها إلا وتقدم لها خاطب أو أكثر، وأصبحت بعض النساء يوصفن بأنهن يغيرن أزواجهن كما يغيرن ملابسهن، ومن الرجل من هو كذلك.
أسباب تاريخية
وفي حديث لدويتشه فيله يرجع الباحث الاجتماعي الموريتاني الدكتور محمد محمود ولد سيدي يحيى أسباب انتشار الطلاق في موريتانيا والزواج بعد الطلاق إلى جذور تاريخية، قائلا "إن بعض الزعامات الدينية في البلاد خلال عصور دخول الإسلام للمنطقة، كانت تضرب المثل في كثرة الطلاق والزيجات"، مضيفا أن "إمام دولة المرابطين الشيخ عبد الله بن ياسين كان يعتبر الطلاق سلوكا عاديا، لأنه هو نفسه كاد أن يحطم رقما قياسيا في إيقاع الطلاق بمعدل أوشك أن يصبح شهريا في بعض الأوقات".
وحسب البيانات التي حصلت عليها دويتشه فيله من الوزارة المكلفة بشؤون الأسرة في موريتانيا فإن آخر مسح إحصائي قامت به للسكان، أوضح أن نسبة تعدد الزوجات لدى الأغلبية العربية لا تتجاوز اثنين ونصف بالمائة، بينما ترتفع النسبة لدى الأقلية الزنجية إلى أزيد من 53 في المائة، من بينهم 10 في المائة من الرجال لهم أربع زوجات".
ولأن الطلاق أصبح أمرا عاديا في المجتمع الموريتاني، ويحدث يوميا دون مشاكل أو تبعات، كان لزاما على المجتمع أن يجد للرجال مخرجا، لأنه في حال ما إذا أحجم الرجال عن الزواج من المطلقات فإنه قد يأتي اليوم الذي لا يجد فيه الرجل الموريتاني إمرأة غير مطلقة للزواج منها، نظرا لانتشار ظاهرة الطلاق.
وفي حديث لدويتشه فيله اعتبر سيدي أحمد وهو شاب موريتاني من نواكشوط، في العقد الثالث من عمره وموظف بوزارة التعليم الثانوي، أنه أصبح يفكر جديا بالزواج، لكن لديه مواصفات دقيقة لشريكة حياته القادمة التي لا يزال يبحث عنها، وفي مقدمتها أن تكون مطلقة بلا أبناء بغض النظر عن عدد زيجاتها السابقة، مؤكدا أنه يبحث عن امرأة تملك تجربة في الحياة، تساعده على النهوض بواجباته المهنية والأسرية، بدلا من الزواج بفتاة تحتاج لمن يرعاها و"يدللها"، وهو ما "لا تسمح به ظروفه العملية والمادية" على حد قوله.
وردا على سؤال حول ما إذا كان يفكر في الطلاق من زوجته القادمة في حال تغيرت ظروفه العملية والمادية، قال "لا أفكر في الطلاق منها ما دمنا متفقين، لكنه في النهاية لا أستبعد الطلاق في حال لم تعد هي الشريكة المناسبة لي".
الكاتب: محمد محمود أبو المعالي/ نواكشوط
مراجعة: حسن زنيند