غوردون براون يقدم نفسه خليفة لتوني بلير

بعد أن رفض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يوم أمس، 24 سبتمبر/أيلول 2006، في افتتاح المؤتمر السنوي لحزب العمال في مانشستر تقديم دعم واضح إلى خلفه المحتمل جوردون براون، قدم وزير المالية البريطاني نفسه خليفة طبيعيا له اليوم الاثنين في كلمة مفصلية ألقاها في مؤتمر حزب العمال في مانشستر معلنا أيضا انه مستعد لمواجهة ديفيد كاميرون وحزب المحافظين. وبراون، الذي وضع خبرته وجهده في "خدمة" البلاد، هو الأوفر حظا في خلافة بلير على زعامة الحزب2007. وطرح براون نفسه كعنصر جامع في الحزب مؤكدا عزمه على اعتماد الوسطية في الحكم مع الحرص على تجديد الحزب لمواجهة التحديات المقبلة. وقال براون في كلمته: "السنوات العشر المقبلة ستكون أكثر تطلبا. ولان التحديات مختلفة فان برنامج الحكومة سيكون بدوره مختلفا". وأضاف براون الذي بدا حريصا على الظهور بمظهر السياسي المتجدد بعد تسع سنوات في الحكومة فقال "بما ان واجبات الحكومة تتغير فطريقتنا في الحكم يجب ان تتغير بدورها". كما شدد على انه مستعد لمواجهة "ديفيد كاميرون في حزب المحافظين" الذي يتصدر استطلاعات الرأي.

خطاب مفصلي لبروان

وفي كلمة مطولة دامت أربعين دقيقة تطرق براون إلى كافة المواضيع من اقتصاد وصحة وتعليم وحرب على الإرهاب وارتفاع حرارة الأرض من دون أي ذكر لأوروبا. وأشاد براون ببلير الذي جمعته به علاقة متقلبة ومتوترة منذ عشرين عاما. كما حيا براون "مساهماته الضخمة على الساحتين الدولية والوطنية"، وقال: "لحسن حظي أني عملت مع زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء الذي حصد نجاحات كثيرة". وحاول الاسكتلندي المتقشف أن يبدد الشكوك التي تحيط به حول شخصيته الانطوائية أحيانا منددا بالذين لا يرون في السياسة إلا "الاستعراض". وذكر براون انه ابن أسقف ويريد ان يرى في السياسة "خدمة لتغيير الأمور ومساعدة الناس". وأضاف "يجب أن نتمتع ببعض الروح". وصفق له المندوبون الذين وقفوا في نهاية خطابه لدقيقتين وأربعين ثانية وقال المقربون منه إن كلمته "هي الخطاب الذي ينتظر حزب العمال سماعه".

وكان التحدي كبيرا بالنسبة إلى براون، فلو فشل خطابه لاندلعت حرب خلافة داخل الحزب بين العماليين. وفي هذا السياق سلط استطلاع للرأي أجراه مركز "يوغوف/تلغراف" ونشرت نتائجه اليوم الاثنين أضواء على المصاعب التي يواجهها براون في اقناع الناخبين به. فشعبيته تميل إلى الانخفاض، لان 27 في المئة فقط من البريطانيين يرون فيه رئيس جيدا للوزراء مقابل 36 في المئة في شباط/فبراير.

"أفكار جديدة للمستقبل"

هذا وقد بدأ وزير المالية البريطاني جوردون براون مسعاه للحصول على منصب رئاسة الوزراء وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية قال فيها إن الحكومة بحاجة إلى "أفكار جديدة للمستقبل"، مؤكداً على أنه يؤمن بضرورة الحفاظ على "علاقات بريطانيا شديدة الخصوصية" مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه شدد براون على أنه يجب أن لا تكون لندن مجرد تابع لواشنطن، إلا أنه قال: "سيكون من الخطأ من وجهة نظري أن لا نقف بثبات مع أمريكا في حربها ضد عنف الإرهابيين وتطرف المتشددين." الجدير بالذكر أنه كان ينظر في الماضي إلى براون على أنه الخيار التلقائي لخلافة بلير، لكنه قد يواجه الآن صراعا على هذا المنصب، حيث سيسعى منافسوه المحتملون إلى حشد التأييد لهم خلال المؤتمر، الذي ينتهي يوم الخميس.

جدل مثير للقلق

وعلى ما يبدو يعد الجدل حول الشخص، الذي سيخلف بلير، أكثر ما يثير قلق رئيس الوزراء البريطاني حالياً. فلقد حث توني بلير حزب العمال على وقف الجدل بشأن من سيخلفه والتركيز على السياسة، وإلا فإنه سيجازف بفقد الدعم الشعبي. وبالرغم من نداءاته فان الجدل بشأن قيادة الحزب تزايد بعد أن أحجم بلير عن تحديد موعد رحيله أو إعلان دعمه لجوردون براون في مساعيه لرئاسة الوزراء. وقال بلير لهيئة الإذاعة البريطانية فيما بدأ حزب العمال مؤتمره السنوي: "ما أريد فعله هذا الاسبوع هو أن أقول للحزب.. مررنا بوقت عصيب مؤخراً. ارجعوا وركزوا على الجماهير. على مخاوف الجماهير وعلى الأشياء التي تقلق الناس بحق." ويأتي حزب العمال في المرتبة الثانية بعد حزب المحافظين، الذي عاود تألقه مجدداً في استطلاعات الرأي. ويخشى الحزب من أن تؤدي الصراعات الداخلية إلى خفض شعبيته أكثر. وكان بلير قد أغضب الكثير من أعضاء حزبه بدعمه للحرب، التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق وسياساته في الشرق الأوسط وإصلاحاته للخدمات العامة الموالية للسوق.

مسيرات حاشدة

وعشية المؤتمر السنوي لمؤتمر حزب العمال شهدت مدينة مانشستر مظاهرات مناهضة لسياسة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، شارك فيها نحو عشرة آلاف شخص حسب ما أعلنته الشرطة. وضمت المظاهرات أشخاص من أطياف سياسية مختلفة، منها مسلمون معارضون لسياسة بلير في العراق وأفغانستان وطلاب يحتجون على التضييق على الحريات الفردية. وبدا من اللافتات المرفوعة ان محور الاعتراض الرئيسي يدور حول السياسة الخارجية البريطانية حيث طالب عدد منها توني بلير بالرحيل فوراً. هذا وقد وأظهر أخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة صنداي تايمز يوم الأحد أن ما يقرب من ثلثي المواطنين البريطانيين يريدون من بلير ان يضع خلال أعمال المؤتمر جدولاً زمنياً للخروج من السلطة بينما يرى 69 بالمائة منهم أنه يجب ان يرحل بحلول الربيع القادم.