1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: عزيزي المواطن "السماعي"..أنت السبب

علاء الأسواني
١٥ مايو ٢٠١٨

في مقاله* لـ DW عربية يناقش علاء الأسواني انتشار الثقافة السمعية في مصر.

https://p.dw.com/p/2xjFc
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

ايتيان دولابواسييه (1530 - 1563) مفكر فرنسي عاش في القرن السادس عشر ومات شابا بعد أن ألف كتابا واحدا بعنوان "خطاب العبودية الاختيارية" حلل فيه ظاهرة الاستبداد. كتبت عن لابواسييه أكثر من مرة ثم كتبت عن المواطن المستقر الذي ابتلينا به في الوطن العربي . المواطن المستقر يفضل الاستقرار على العدل والحرية وهو السبب الأول في اخفاق الثورات العربية حتى الآن.  "المواطن المستقر " إذن تعبير من تأليفي لكنني فوجئت ببرامج عديدة في قنوات تليفزيونية مختلفة تذيع مقاطع من مقالاتي ثم تنسب تعبير المواطن المستقر للمفكر دولابواسييه. المشكلة ليست في الاعتداء على حقوقي الأدبية ولكن في السؤال: لماذا لم يكلف أحد من المعدِّين أو المذيعين نفسه فيقرأ كتاب  دولابواسييه أو حتى ملخصا مبسطا له وهو متوفر على الانترنت؟.

الاجابة أ ن المعدين مثل  مصريين وعرب كثيرين يشكلون معرفتهم عن طريق السمع وليس القراءة. المعرفة السمعية عادة ما تكون ناقصة ومشوشة بل انها كثيرا ما تعكس جهلا فاحشا بالموضوع . الكاتب الايرلندى جيمس جويس (1882-1941) له رواية شهيرة اسمها "عوليس" صعبة القراءة للغاية لأن جويس طبق فيها نظرية في الأدب اسمها "تيار الوعي ".

مرة اخترت مجموعة من المثقفين ( بعضهم من المشهورين) وسألت كل واحد فيهم عن رواية عوليس فأشاد بها بمنتهى الحماس وعندما سألته اذا كان قد قرأها فوجئت بأن معظمهم قرأوا أجزاء بسيطة من الرواية أو مقالات عنها، أي أنهم كانوا يمجدون رواية لم يقرؤوها أساسا. هذه المعرفة السمعية المنتشرة بين المصريين والعرب هي كل ما تحتاج إليه الأنظمة الاستبدادية لتنجح في غسيل أدمغة المواطنين .

الديكتاتور العربي يحتكر الاعلام ويضعه تحت سيطرة أجهزة الأمن ويمنع عن الناس أي مصدر مستقل للمعلومات ثم يبدأ في ترويج الاكاذيب فيصدقها الناس ويعتبرونها حقائق لأنهم لم يتعودوا على القراءة وتمحيص ما يسمعونه . كم مرة مثلا سمعنا ان الدكتور محمد البرادعي عندما كان رئيسا لوكالة الطاقة الذرية تسبب في احتلال العراق نتيجة للتقرير الذى كتبه عن العراق وقرأه في مجلس الامن ..؟ كل من يبحث قليلا سيكتشف أن الدكتور البرادعي قد أكد بوضوح في تقريره أن مفتشي الوكالة لم يجدوا في العراق أي أثر للأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل.

كم مرة سمعنا أن حركة 6 ابريل ممولة من الخارج لاسقاط الدولة..؟ اذا بحثت قليلا ستكتشف ان نظام السيسي الذي يعادى شباب الثورة لم يوجه إلى حركة 6 ابريل تهمة التمويل قط بل إن حركة 6 ابريل تقدمت مرة ببلاغ ضد نفسها وحصلت من النائب العام على وثيقة رسمية تؤكد أنها لم تتلق أي تمويل أجنبي .. كم مرة اتهم الناس شباب الثورة بأنهم السبب في تولي الاخوان للحكم لأنهم ذهبوا إلى اجتماع فيرمونت وطالبوا المصريين بانتخاب محمد مرسي؟..اذا قرأت قليلا ستكتشف ان اجتماع فيرمونت قد تم عقده بعد اغلاق صناديق الاقتراع وبالتالي فان المجتمعين في فيرمونت لم يؤثروا في نتيجة الانتخابات ببساطة لأنها كانت انتهت.

كم مرة سمعت أن الشاب الثوري أحمد دومة قد اعترف بحرق المجمع العلمي في برنامج تليفزيوني مع الاعلامي وائل الابراشي؟ لو شاهدت الحلقة ستكتشف أن دومة لم يعترف اطلاقا بحرق المجمع العلمي ولو بحثت قليلا ستكتشف ان الأستاذ وائل الابراشي شهد في المحكمة بأن دومة لم يعترف بحرق المجمع العلمي. الأمثلة بلا حصر وكلها تؤكد على انتشار نموذج المواطن "السماعي" الذى يسمع فيؤمن فورا بما سمعه بلا بحث ولاقراءة ولا تفكير. ما أسباب انتشار ظاهرة المواطن السماعي في بلادنا ..؟  انتشار الأمية وفشل النظام التعليمي القائم على التلقين لا التفكير وندرة القراءة بين المتعلمين ومجتمع الاستبداد  ذو الرأي الواحد.

كل هذه أسباب وجيهة بلاشك لكنها في رأيي لا تعفي المواطن السماعي من المسؤولية. ماذا يفعل المواطن السماعي اذا تلقى عرضا بعقد عمل في الخليج أو تقدم شخص لخطبة ابنته ..؟ هل يكتفي عندئذ بمعلومات سطحية سريعة عن الموضوع؟  كلا بالطبع، انه عندئذ يجري بحثا دقيقا متعمقا قبل أن يتخذ قراره .. المواطن السماعي يصدق الأكاذيب ليس فقط لأنه قليل الادراك ولكن لأنه ببساطة غير مهتم بالشئون العامة.  المواطن السماعي هو المواطن المستقر الذي يحتاج للتغيير ولايريد أن يدفع ثمنه، الذي تشكل أسرته دائرة انتمائه الوحيدة الحقيقية، الذي يفضل أن يعيش في ظل ديكتاتور يقمعه لكنه يحقق له الاستقرار المنشود. إن المواطن السماعي لا يبحث عن الحقيقة لأن معرفتها سترتب عليه واجبات هو غير مستعد للقيام بها. إنه يسلم عقله لأكاذيب الاعلام لأنها تعفيه من المسؤولية وتجعله مرتاحا وراضيا عن اذعانه.

اصلاح التعليم ونشر الوعي وتشجيع القراءة، كلها حلول ستساعد حتما في التخلص من المعرفة السمعية لكن الأهم أن يقتنع المواطن السماعي المستقر بأن النضال من أجل الحرية ليس عملا سياسيا وإنما ضرورة إنسانية وأن من يتنازل عن كرامته من أجل لقمة العيش سيخسر كرامته ولقمة العيش معا، عندما يهتم المواطن العربي بتزوير الانتخابات وانتهاك الدستور بنفس القدر التي يهتم به بزواج بناته ونتيجة أولاده في الثانوية العامة. عندئذ فقط سنتحول من رعايا مستضعفين تحت رحمة أسيادنا الحكام، إلى مواطنين حقيقيين نعيش بحرية وكرامة في وطن نملكه ونقرر مصيره.

 

الديمقراطية هي الحل 

 [email protected]

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.