علاء الأسواني: رابطة "ألتراس" السيسي...
٢٤ أكتوبر ٢٠١٧في الشتاء الماضي عملت كأستاذ زائر للأدب في "كلية بارد"BARD COLLEGE وهي من أعرق الجامعات الأمريكية في الآداب والفنون. قمت بتدريس مادة القصة القصيرة ومادةFIRST YEAR SEMINAR، وهي حلقة دراسية أشرح فيها لطلاب السنة الأولى مؤلفات مفكرين وفلاسفة من مدارس وأزمنة مختلفة حتى يتعلم الطلاب تقبل الأفكار الجديدة ويتدربون على التفكير النقدي.
أذكر أنني، خلال المحاضرات، اتهمت الرئيس دونالد ترامب بالعنصرية وقلة الكفاءة فأيدني معظم الطلاب وعارضني بعضهم لكن أحدا منهم لم يعتبر نقدي لترامب اساءة للولايات المتحدة. أذكر أيضا أنني أثناء زياراتي العديدة لفرنسا وجهت نقدا لاذعا في التليفزيون الفرنسي للرئيس ساركوزي وقابلت فرنسيين كثيرين اتفقوا أو اختلفوا مع رأيي لكن أحدا منهم لم يعتبر نقدي لرئيس الجمهورية إهانة لفرنسا.
في المجتمع الديمقراطي يعتبر المواطنون رئيس الجمهورية مجرد موظف عام وليس والدا للشعب ولا رمزا للوطن. هذا الفرق بين الرئيس والوطن لا يوجد في مجتمع الاستبداد. في مصر ومعظم البلاد العربية المنكوبة بالاستبداد يعتبر الرئيس أو الملك رمز الوطن، من أحبه فقد أحب الوطن ومن عارضه فقد خان الوطن. عندما يوصف إعلامي في مصر بالوطنية فمعنى ذلك أنه يؤيد الرئيس، وإذا كان معارضا فإن وسائل الإعلام تتهمه بخيانة الوطن. الأنظمة الفاشية لا تقبل من المواطنين إلا الولاء الكامل والتأييد الأعمى. منذ قيام الديكتاتورية العسكرية في مصر عام 1952 تكونت حول كل رئيس مصري مجموعة "ألتراس" مهمتها تمجيده ولعن معارضيه ومباركة كل أفعاله حتى لو كانت أخطاء أو حتى جرائم..
تعبير "الألتراس" يطلق عادة على مشجعي كرة القدم الذين يدعمون فريقهم بحماس قد يصل إلى التعصب. أعضاء ألتراس كرة القدم في مصر لعبوا دورا عظيما في حماية ثورة يناير لكن أعضاء ألتراس السيسي مختلفون. إنهم مصريون يتعلقون بالسيسي ويؤمنون بعبقريته ويمدحونه باستمرار ويتجاهلون أخطاءه مهما تكن واضحة كالشمس. لا يقتصر دور ألتراس السيسي على تأييده وإنما يمتد إلى الهجوم على معارضيه واتهامهم بالخيانة وتحقيرهم بكل وسيلة متاحة. ألتراس السيسي مجموعة متنوعة من البشر : هناك القيادات الأمنية التي تعتقد أن واجبها الأول إخراس المعارضين والتنكيل بهم وهناك جماعات المصالح التي تستفيد من وجود السيسي في الحكم وهناك الأثرياء الذين يتمسكون بالسيسي خوفا من أي تغيير قد ينتقص من ثرواتهم وامتيازاتهم وهناك بعض الأقباط الذين يعتبرون السيسي برغم مساوئه أفضل من حاكم إسلامي متطرف سوف يضطهدهم باعتبارهم كفارا وهناك ملايين البسطاء الذين يفضلون الاستقرار على خوض معركة الحرية وهم يستريحون فعلا لحكم الديكتاتور لأنه يمنحهم نوعا من الأمان ويعفيهم من التفكير أو الاهتمام بشئون بلادهم ويجعلهم يركزون جهودهم في لقمة العيش وتربية العيال..
خطورة التراس الزعيم أنهم يمنعونه من رؤية الاخطاء ويجعلونه يتمادى فيها حتى تقع في النهاية كارثة يدفع ثمنها الجميع. إن التعامل مع رؤساء مصر بطريقة الألتراس سبب رئيسي في هزائمنا الدائمة. لقد ظل ألتراس عبد الناصر يسبحون بحمده ويقرعون له الطبول فلم يلتفت إلى أخطائه الجسيمة عندما أعلن الوحدة مع سوريا بطريقة عشوائية عام 1958، وسرعان ما حدث الانفصال ثم تورط بعد ذلك في حرب اليمن التي راح ضحيتها آلاف الجنود المصريين، ظل ألتراس عبد الناصر يصفقون ويهتفون له حتى ورطنا في هزيمة منكرة عام 1967.
نفس الطريقة يتبعها اليوم ألتراس السيسي فقد فوجيء المصريون بعملية ارهابية في طريق الواحات راح ضحيتها عدد كبير من الضباط والجنود المصريين. لا يحتاج المرء لشهادة عسكرية حتى يدرك أن هناك تقصيرا معيبا في التخطيط من قيادات الشرطة التي تسرعت وأرسلت هؤلاء الضباط والجنود إلى موقع الإرهابيين بدون حماية جوية ولا دراسة كافية لطبيعة المكان. لو كانت حادثة الواحات في بلد ديمقراطي، لتكونت لجنة من البرلمان فورا لتحديد المسئولية ومعاقبة القادة المقصرين ثم اتخذت التدابير اللازمة حتى لا يتكرر ما حدث. لكن ألتراس السيسي ظهروا في كل البرامج وراحوا يهتفون وينشدون الأغاني الوطنية ويكيلون المديح للسيسي ويتهمون كل من يتحدث عن التقصير بالخيانة بل انهم قلبوا المذبحة التي تعرض لها رجال الشرطة إلى نصر عظيم.
ألتراس السيسي يرفضون توجيه النقد إلى قيادات الشرطة بحجة عدم إضعاف معنوياتهم أثناء حربهم ضد الإرهاب. الحق أن أفضل طريقة لرفع معنويات الجنود هي محاسبة القادة المقصرين حتى لا تتكرر الأخطاء ولا يسقط شهداء كان من الممكن أن يعيشوا. هل يمكن لدولة أن تحقق أي نوع من التقدم إذا كان المواطنون ممنوعين من إبداء آرائهم بحرية وإذا كان القادة يعتبرون أي نقد لتقصيرهم خيانة للوطن..؟.
لقد أثبتت حادثة الواحات أن الدولة المصرية تدار بطريقة خاطئة وأن أجهزة الأمن تركز جهودها على مطاردة المعارضين أكثر من مواجهة الإرهابيين لكن عقلية الألتراس تسيطر على أجهزة الدولة وإعلامها الكذاب البائس الذي يتخبط مذيعوه ويتناحرون وفقا لولائهم لأجهزة الأمن المختلفة. لن تستطيع مصر أن تقضي على الإرهاب إلا باصلاح ديمقراطي حقيقي يمكن الكفاءات من تولى المناصب التي يحتكرها الموالون للنظام حتى لو كانوا فاشلين. إلى أن يمتنع التراس السيسي عن التطبيل وإرهاب المعارضين، إلى أن يصبح من حق المواطن أن يتهم المسئولين بالتقصير فلا يهان ولا يتهمه أحد بالخيانة، إلى أن يحاسب المقصرون جميعا مهما تكن مناصبهم، إلى أن تتحقق الديمقراطية، فإننا للأسف سنظل نكرر نفس الأخطاء التي نرتكبها منذ عقود ثم نتوقع نتائج مختلفة.
الديمقراطية هي الحل
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW