"ضعف الرقابة في دول الخليج يلقي بالمال في أحضان الإرهاب"
٧ ديسمبر ٢٠١٠نشرت صحيفة "نيويورك" تايمز الأمريكية يوم أمس الأحد (5 ديسمبر/ كانون أول) تصريحات نقلتها عن برقيات دبلوماسية سرية أمريكية ضمن التي سربها موقع "ويكيليكس" الإلكتروني، تضمنت انتقاداً شديد اللهجة لدول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية، بسبب عدم جديتها في وضع مسألة قطع تمويل الجماعات الإرهابية على سلم أولوياتها الإستراتيجية.
واقتبست الصحيفة برقية أرسلت من مكتب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في ديسمبر/ كانون الأول عام 2009، جاء فيها أن "أشخاصاً يسكنون السعودية والدول المجاورة لها، وهي كلها حليفة للولايات المتحدة، هم أهم من يدعمون النشاطات المتطرفة مالياً ... إن إقناع المسؤولين السعوديين باعتبار مسألة تمويل الإرهاب النابع من السعودية أولوية إستراتيجية شكل تحدياً مستمراً ... السعودية تمثل أهم مصادر تمويل المجموعات الإرهابية السنية في العالم".
البرقيات السرية وارتباطها بالواقع
وبالرغم من خطورة هذه الاتهامات، إلا أن ميشائيل باور، خبير الشؤون الأمنية للشرق الأوسط في مركز الأبحاث السياسية التطبيقية بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، يشير في حديث مع دويتشه فيله إلى أن "ليس كل ما يرد في هذه البرقيات الدبلوماسية يعبر عن الواقع. فجزء من هذه التقارير يعبر عن تقييم شخصي للدبلوماسيين الأمريكيين. قد يكون هؤلاء الدبلوماسيون محقين في الإشارة إلى بعض النواقص في المنطقة فيما يتعلق بموضوع تمويل النشاطات الإرهابية، لكن قراراتهم تمتاز بالتعميم ولا تعبر بالضرورة عن الواقع".
هذا ويؤكد باور على أن دول الخليج تفتقر إلى الإطار القانوني اللازم لفرض رقابة محكمة على الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي تعتبر من أهم مصادر تمويل النشاطات المتطرفة حول العالم. ويضاف إلى انعدام الإطار القانوني أيضاً، الحاجة إلى الخبرة والموارد البشرية المطلوبتين لمواجهة هذا التحدي الكبير.
نظام "الحوالات" وصعوبة الرقابة
وتنامت في الفترة الأخيرة اتهامات لعدد من الجمعيات الخيرية العاملة في عدد من دول الخليج وفي الغرب، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بأنها تستخدم نشاطاتها الخيرية حول العالم كواجهة لتمرير أموال لجماعات إسلامية متطرفة في مناطق الصراع حول العالم، مثل باكستان وأفغانستان والعراق.
وفي هذا الصدد يشير الخبير الأمني ميشائيل باور أيضاً إلى الدور الذي يلعبه ما يسمى بنظام الحوالات. ويقوم هذا النظام على مبدأ التحويل الآني، فعندما يرغب شخص ما في إرسال مبلغ من المال إلى دولة أخرى، فما عليه سوى الذهاب إلى أحد المكاتب التي تتعامل بنظام الحوالات ويدفع المبلغ الذي يريد إرساله، ومن ثم يتواصل هذا المكتب هاتفياً مع مكتب مماثل في الدولة المرسل إليها هذا المبلغ، ليتم دفعه مباشرة دون انتظار وصول المال عن طريق البنوك.
ويتابع باور بالقول: "الإمكانات المتاحة لمراقبة نظام الحوالات بشكل فعال محدودة. هذه المشكلة ليست موجودة فقط في دول الشرق الأوسط، بل في عواصم الدول الأوروبية الكبرى مثل لندن، وباريس، وبرلين. هذا يدلّ على أن المساعي الهادفة لمحاربة الإرهاب من الناحية المالية أو الاقتصادية لا تشكل سوى أحد أوجه مكافحة الإرهاب. هناك دائماً ثغرات من الناحية المالية، ويوماً ما سيتمكن البعض من استغلال هذه الثغرات لخدمة أغراضهم".
ضرورة توفير الموارد البشرية
وبالإضافة إلى صعوبة مراقبة هذه الأنظمة غير المرتبطة بالبنوك العالمية أو المعتمدة على شبكة الإنترنت، فإن الخبير الألماني يلاحظ أن تنظيم القاعدة الإرهابي، مثلاً، قد مرّ بتغيرات جذرية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان. وتتلخص هذه التغيرات، بحسب باور، في تحول التنظيم إلى شبكة لامركزية تعتمد فيها الخلايا المختلفة على نفسها لضمان التمويل اللازم لنشاطاتها الإرهابية، سواء عن طريق الجمعيات آنفة الذكر أو عن طريق أنشطة إجرامية، كالسطو على بنوك وتجارة المخدرات أو اختطاف رعايا أجانب مقابل فدية مالية.
وبالرغم من اعتراف ميشائيل باور بحصول تقدم من الناحية القانونية فيما يخص الرقابة على الجمعيات الخيرية، خصوصاً في السعودية، إلا أنه يحذر من أن ذلك لن يكون كافيا في ضوء عدم توفر أطر كافية تضمن رقابة متكاملة ويقول: "الطريق لا يزال طويلاً لحين بناء هذه الأطر القانونية وتوفير الموارد البشرية اللازمة للقيام بمهمة الرقابة ... لا أعتقد أن الجمعيات الخيرية تتعمد تمويل الجهات الإسلامية المتطرفة، لكنني أظن أن الرقابة المفروضة على أموال التبرعات داخل هذه الجمعيات يتم بشكل سيء إلى درجة أن بعضها ينتهي في أيدي هذه الجماعات المتطرفة".
ياسر أبو معيلق
مراجعة: طارق أنكاي