شبان تونسيون يتزوجون أوروبيات في أعمار جداتهم
٢٣ أغسطس ٢٠١٠يعتبر فصل الصيف الذي يعود خلاله المهاجرون التونسيون المقيمون بأوروبا إلى بلادهم ويتوافد فيه ملايين السياح الأوروبيين على تونس، فرصة ذهبية لإبرام زيجات مختلطة تمكن شبانا وفتيات من تحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا.ويتجاوزعدد المهاجرين التونسيين المليون يقيم نحو 80 بالمائة منهم في أوروبا. وتستقبل البلاد سنويا نحو 4 ملايين سائح أوروبي حوالي نصفهم من الجنس اللطيف.
الباحث الاجتماعي طارق بن الحاج محمد قال في حوار مع دويتشه فيله إن الزيجات المختلطة "أصبحت مطلبا يشترك فيه تلاميذ وطلاّب وخريجو جامعات وعاطلون عن العمل وحتى بعض الموظفين"، وأنها تحظى بتشجيع ومباركة العائلات التونسية ملاحظا كيف تحوّل العمل في المرافق السياحية أو زيارتها واستقبال الأقارب المقيمين في أوروبا إلى مناسبات لعقد "صفقات زواج/ هجرة".
ويعزو الباحث التونسي الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة إلى صعوبة الهجرة الشرعيّة وغير الشرعية نحو أوروبا بسبب "زهد"القارة في استقبال مهاجرين مغاربة، وتضييق الخناق على الهجرة السرية بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط، مشيرا إلى أن هذه الأسباب قد تدفع أحيانا بشاب في العشرينات إلى الزواج من سائحة أوروبية في سن جدته.
"استراتيجية" الزواج من أجل الهجرة
ويتوقف الباحثون الاجتماعيون في تونس عند قصة مثيرة تداولتها وسائل الإعلام التونسية والألمانية، وتعود هذه القصة الى سنة 2004عندما أقدم شاب تونسي (خ.ك)، لم يكن عمره آنذاك يتجاوز سن 25عاما، على زواج من سائحة ألمانية تدعى (اي.غ)وتبلغ 83عاما، تعرّف عليها أول مرة سنة 2002في مطعم سياحي بمدينة الحمامات كان يعمل فيه كنادل.ورفضت السلطات الألمانية منح العريس فيزا دخول للبلاد وأبلغت العروس رفضها لـ"شرعية"هذا الزواج الذي اعتبرت أن غايته "إيجاد مبرر قانوني لمنح حق الإقامة بألمانيا لشاب عجز عن الحصول عليه بأي وسيلة أخرى".
وفي دراسة اجتماعية حديثة اطلق الدكتورتوفيق الجميعي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية مصطلح "استراتيجية الهجرة"على الأساليب الحديثة التي باتت فئات من الشباب التونسي يتوخونها من أجل تحقيق أحلامهم في الهجرة الى أوروبا.
وقال الباحث التونسي إن الزواج المختلط أصبح بالنسبة إلى الشباب التونسي "استراتيجية للهجرة"مشيرا إلى أن "هذه الظاهرة بدأت في الاتساع".وذكر أن العائلات التونسية المهاجرة تحرص على تزويج بناتها من شبان من تونس من أجل المحافظة على الروابط بالوطن والمجتمع الأصلي (تونس)فيما يرغب الشاب وعائلته بتونس في الزواج من الفتاة المهاجرة "من أجل الهجرة وبالتالي تحسين ظروف العيش".
وحسب الدراسة فإن العائلات المهاجرة تشترط في الشاب المرشح للزواج من بناتها "القرابة والأخلاق والقدرة على الكسب"أي القدرة على العمل وليس الدخل الثابت والمنزل مثلما هو الأمر في بقية الزيجات العادية بتونس، مشيرا إلى وجود "تفاهم ضمني يتمثل في تبادل الطرفين رأسمال رمزي (لدى الشاب)وآخر اقتصادي لدى ابنة الأسرة المهاجرة".
في المقابل يؤكّد الجميعي أنّ العلاقات الانسانية التي ينسجها شبان تونسيون مع سائحات أروبيات خلال قضائهن عطلة الصيف في تونس هي المدخل الرئيسي للزواج منهن.ولاحظ أن الشاب الذي يسعى للهجرة عن طريق الزواج، يستخدم كل مهاراته الشخصية من أجل لفت انتباه السائحة الأوروبية لإقناعها بجدوى الارتباط به، مشيرا أن عديد الشبان أصبحوا يعتمدون الجنس "وسيلة للهجرة نحو أوروبا وترك بلدانهم ومناطقهم التي يعانون فيها الحرمان والتهميش والإقصاء".
فتيات تونسيات على الخط...
وليست استراتيجية الزواج من أجل الهجرة حكرا على الذكور بل تشمل أيضا الإناث، فقد أظهرت دراسة اجتماعية حديثة أجراها عالم الاجتماع التونسي حسّان القصار بالتعاون مع المعهد الفرنسي للدراسات الديموغرافية بباريس، أن 71بالمائة من طالبات الجامعة التونسية "يرغبن في الهجرة إلى بلد أجنبي مهما كانت لغته أو إطار التوجيه إليه".
ووفق الدراسة التي أجريت على عينة من طالبات كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالعاصمة تونس أبدت نحو 29بالمائة من الطالبات استعدادهن الانقطاع نهائيا عن التعليم في صورة تلقي عرض زواج من مهاجر تونسي يقيم بالخارج (أساسا أوروبا)فيما أعلنت نحو 63بالمائة منهن استعدادهن قطع تعليمهن في تونس إن وعد الشريك بالسماح لهن بمواصلة التعليم في الخارج بعد الزواج.
ويعتبر الزواج بمهاجرين السبب الأول لهجرة المرأة التونسية، فإلى غاية سنة 2004غادرت تونس نحو 29ألفا و600امرأة في إطار زيجات تمت أساسا مع أبناء مهاجرين تونسيين وذلك وفق أرقام نشرها معهد الإحصاء الحكومي سنة 2004.
وبرأي الباحث الاجتماعي طارق بن الحاج محمد، فإن ظاهرة الزواج من الأجنبيات تشمل أيضا فئة الموظفين. واستنتج بن الحاج أن دوافع الهجرة ليست دائما ماديّة ومعيشيّة وقد تكون بسبب "الأفكار السلبية تجاه الذات والمجتمع والإحساس الدائم بالقهر والدونية والتهميش وضيق الأفق".
وقال الباحث التونسي لدويتشه فيله "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، إنه يحتاج أيضا للشعور بالاحترام والتقدير والقدرة على الحلم والانجاز، وحين يستحيل كل ذلك، يخيّر البعض التضحية بجميع الامتيازات المادية من أجل العيش بحريّة حتى على هامش مجتمعات أخرى".
الكاتب: منير السويسي – تونس
مراجعة: منصف السليمي