soziale Unruhen
٢٤ أبريل ٢٠٠٩اقترب شهر مايو/أيار حاملا معه شجون القضايا الاجتماعية وهمومها، فعيد العمال مطلع الشهر هو مناسبة تقليدية للنقاش حول وضع سوق العمل والمطالبة بتحسين أوضاع العاملين. وفي هذا العام تبرز تلك الهموم بشكل أوضح بسبب الأزمة المالية التي أحكمت قبضتها على الاقتصاد العالمي.
وفي ضوء ذلك بدا الشارع السياسي في ألمانيا مشغولا حاليا بسؤال هو: هل يتهدد البلاد خطر اندلاع اضطرابات اجتماعية نتيجة للأزمة الاقتصادية الحالية؟. لقد اختلفت الآراء والإجابات؛ ففي الوقت الذي شرعت فيه أصوات تحذر من مغبة انفجار غضب المواطنين الناتج عن قلقهم ومخاوفهم من المستقبل ما لم تبدُ في الأفق بوادر لانفراج الأزمة، أخذت أصوات أخرى تندد بهذه التحذيرات وترى فيها مصدرا لإثارة الذعر والمخاوف غير المبررة.
صورة قاتمة ولكن…
لقد انضمت جيزينا شفان، السياسية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والمرشحة لمنصب رئاسة الجمهورية الألمانية، مؤخرا إلى الأصوات المحذرة من خطر اندلاع اضطرابات وقلاقل اجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية، وقالت في مقابلة مع صحيفة "مونشنر ميركور" الألمانية إن الوضع مقبل على الانفجار إذا لم يحصل الناس على ضمانات حول مستقبلهم في الشهرين أو الثلاثة القادمين في ظل الأزمة المالية الحالية.
وفي الإطار ذاته، حذر ميشائيل زومر، رئيس اتحاد النقابات العمالية الألمانية، أيضا من خطورة الوضع واحتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية مقارنا الوضع الحالي بالوضع خلال أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. كما اعتبر حزبا الخضر واليسار المعارضان أن هناك شعورا عميقا بالظلم في المجتمع، وطالبا الحكومة بزيادة رعايتها لمحدودي الدخل وتعزيز جهود مواجهة البطالة من أجل تفادي حدوث تصدعات الاجتماعية.
غير أن الدكتور ديتر روخت من المركز العلمي للأبحاث الاجتماعية في برلين لا يتفق مع هذه الصورة القاتمة، ويقول في مقابلة مع موقعنا إنه لا يوجد دلائل في الوقت الحالي تشير إلى تصعيد قد يؤدي إلى أزمة اجتماعية أو سياسية. إلا أنه في الوقت نفسه توقع قيام حركات احتجاجية واسعة بسبب الفقدان المحتمل لأماكن العمل، لكنه لا يعتقد أنها ستخرج عمّا هو معتاد، ولن تتحول إلى اضطرابات خارج السيطرة.
"السياسة قادرة على التعامل مع الأزمة"
كما أن الحديث عن خطر اندلاع اضطرابات اجتماعية أثار انتقاد وسخط البعض الآخر من السياسيين الألمان. فقد دعا وزير الاقتصاد الاتحادي، كارل-تيودور تسو جوتنبرج، إلى التحلي بالرزانة والروية، معتبرا أن إذكاء مشاعر عدم الأمان في الوقت الحالي هو أمر "غير مسؤول، بل وغبي". كذلك جاءت الانتقادات من معسكر حزب جيزينا شفان، فقد قال وزير الخارجية والمرشح لمنصب المستشارية، فرانك-فالتر شتاينماير، إنه لا ينبغي الحديث عن اضطرابات اجتماعية، وذلك في مقابلة مع الموقع الالكتروني لصحيفة "دير شبيجل"، وأضاف أن مهمة السياسة في الوقت الحالي هي مقاومة تبعات الأزمة الاقتصادية، مشددا على أن الوضع الحالي جدي، لكن السياسيين في ألمانيا أظهروا قدرة كبيرة على التعامل مع الأزمنة مقارنة بغيرها من الدول.
أما رئيس اتحاد أرباب العمل فقد حذر من استغلال المسؤوليات الاجتماعية في تحقيق مصالح حزبية أو انتخابية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الشركات تبذل كل ما في وسعها في الوقت الحالي من أجل الحفاظ على أماكن عمل مستخدميها. جدير بالذكر أن ألمانيا مقبلة على انتخابات برلمانية ستنظم في شهر سبتمبر/أيلول القادم.
"المطالبة بدعم الشركات الصغيرة يفتقر إلى الواقعية"
وفي سياق متصل، أعادت الأزمة الاقتصادية الحالية مفهوم الدولة الاجتماعية إلى بؤرة الضوء، باعتبارها صمام أمان ضد انفلات عجلة الرأسمالية غير مأمون العواقب. وشرعت الحكومات كما هو معروف في شراء حصص من المصارف المشرفة على الإفلاس وضخ مليارات الدولارات فيها لإنعاش الاقتصاد، وهو الأمر الذي أثار بعض الانتقادات بسبب استخدام أموال دافعي الضرائب في إصلاح ما أفسده مديرو المصارف بجشعهم، ما دفع بعدد من النقابات في ألمانيا بالمطالبة بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة قياسا على دعم البنوك والمصارف.
ومن جهته، يبدي الدكتور روخت تفهما لتلك المطالب، لكنه يرى صعوبة في تنفيذها. ويقول "عندما تضخ أموال كثيرة في قطاع المصارف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لِمَ لا يحدث الشيء نفسه في القطاعات الأخرى التي تظهر فيها حاجة ماسة للدعم؟". ويضيف "لكن من ناحية أخرى فإن هذه المطالب تفتقر بعض الشيء إلى الواقعية، فالدولة لا تستطيع التدخل من أجل إنقاذ كل شركة مشرفة على الإفلاس بسبب الأزمة، لأنها لا تمتلك المصادر الكافية لذلك."
استطلاعات الرأي
ومن ناحيتها لا تظهر استطلاعات الرأي التي أجريت في ألمانيا مؤخرا مشاطرة للمخاوف المتداولة من اندلاع اضطرابات اجتماعية. وفي هذا السياق يقول السيد ريشارد هيلمر من مركز انفراتيست لاستطلاع الرأي في مقابلة مع صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار "نتائج استطلاعات الرأي التي أجريناها تكشف شعورا بعدم الرضا، لكن لا توجد أي إشارة تفيد بأن التعبير عن ذلك الشعور سيأخذ شكلا عنيفا"، مضيفا أن الثقة في السياسة ازدادت في الفترة الأخيرة بين الألمان.
كذلك أكد كلاوس-بيتر شوبنر رئيس معهد امنيد لاستطلاع الرأي أنه لا يرى أي إمكانية لاندلاع اضطرابات اجتماعية في ألمانيا، التي وصفها بأنها بلد هادئ فيه عدد قليل من الاضطرابات. لكنه أضاف أن الألمان بحاجة لأن يشعروا بأن تبعات الأزمة المالية وتكاليفها توزع بعدل على أكتاف الجميع.
تقرير: هيثم عبد العظيم
تحرير: هشام العدم