سوريا بعد سقوط الأسد.. ما هي القوى الفاعلة على الأرض؟
٩ ديسمبر ٢٠٢٤وصلت الحرب الأهلية في سوريا إلى لحظة حاسمة مع سقوط الرئيس بشار الأسد ، مما أنهى حكمه الذي استمر لعقود وشهد انتشار الفساد والقمع والتدخلات الأجنبية. وتمكنت ائتلافات المعارضة من كسر حالة الجمود الطويلة، مما غيّر مسار الصراع بشكل جذري.
ومع ذلك، لا تزال المعارضة السورية عبارة عن خليط متشرذم من مجموعات ذات أيديولوجيات متضاربة وطموحات متباينة على المدى الطويل. وتعتمد كل مجموعة على دعم قوى أجنبية متنافسة، مما يؤدي غالبا إلى تصادمها مع بعضها البعض.
فيما يلي نظرة أقرب إلى الأطراف التي تشكل المشهد السوري بعد انتهاء حقبة بشار الأسد.
هيئة تحرير الشام
الهجوم الخاطف الأخير الذي أدى إلى سقوط دمشق قادته هيئة تحرير الشام ، وهي جماعة إسلامية متشددة يقودها أبو محمد الجولاني، واسمه الحقيقي أحمد الشرع. لدى هيئة تحرير الشام تاريخ معقد مرتبط بالصراع السوري. تأسست في البداية كجبهة النصرة عام 2011، وكانت فرعًا لتنظيم القاعدة أُنشئ بمشاركة أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" ، الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
اشتهرت جبهة النصرة بأيديولوجيتها الجهادية واصطدمت كثيرًا مع مجموعات معارضة أخرى، بما في ذلك الائتلاف الرئيسي للمعارضة تحت راية الجيش الحر. في عام 2016، قطع أبو محمد الجولاني علاقاته مع تنظيم القاعدة وأعاد تسمية الجماعة إلى هيئة تحرير الشام ، ودمجها لاحقًا مع عدة فصائل إسلامية أصغر.
ورغم أن أيديولوجية هيئة تحرير الشام لا تزال تتماشى إلى حد كبير مع القاعدة، إلا أن تركيزها تحول نحو إقامة حكم إسلامي متشدد داخل سوريا، مبتعدة عن طموحات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لإقامة خلافة عالمية.
ومنذ ذلك الحين، رسخت الهيئة قاعدتها في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، حيث تعمل كإدارة بحكم الأمر الواقع. ومع ذلك، فقد قوضت اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان جهودها لاكتساب شرعية أوسع.
تعتبر هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا وغيرها. ومع ذلك، يبدو أن هجومها الأخير يتماشى مع هدف أنقرة الطويل الأمد المتمثل في الإطاحة بالأسد، ومن المرجح أنه لم يكن ليحدث بدون تنسيق ودعم تركي، رغم نفي المسؤولين الأتراك تورطهم المباشر.
الجيش الوطني السوري
بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام، هناك العديد من الميليشيات السورية الأخرى التي تقاتل وفق أجنداتها وولاءاتها الخاصة، فإن أحد أبرز الفصائل المشاركة في الهجوم على حلب هو الجيش الوطني السوري، وهو تحالف تم تأسيسه في عام 2017 ويجمع عشرات الفصائل ذات الأيديولوجيات المختلفة تحت مظلة واحدة.
على عكس هيئة تحرير الشام المركزية والمنظمة، يُعد الجيش الوطني السوري (SNA) تحالفًا متشرذمًا يضم مجموعات مسلحة متباينة. العديد من هذه المجموعات كانت تعمل سابقًا تحت لواء الجيش السوري الحر، وقد اصطدمت فيما بينها مرارًا.
رغم الانقسامات الداخلية، فإن العديد من فصائل الجيش الوطني السوري تحتفظ بعلاقات قوية مع تركيا. بعض هذه الفصائل، مثل لواء السلطان سليمان شاه، فرقة الحمزة، ولواء السلطان مراد، مرتبطة بشكل وثيق بأنقرة، وهو ما يظهر من خلال أسمائها التي تكرم شخصيات عثمانية بارزة.
ومع ذلك، لا تتماشى جميع فصائل الجيش الوطني السوري بالكامل مع المصالح التركية. بعض الجماعات، رغم تعاونها مع أنقرة، تحاول موازنة أولوياتها الخاصة. على سبيل المثال، يضم التحالف فصائل متمردة مؤثرة مثل أحرار الشام، التي تهدف إلى "إسقاط نظام الأسد" و"إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية".
في الأيام الأخيرة، اشتبكت قوات الجيش الوطني السوري مع القوات الكردية في المحافظات الشمالية واستولت على العديد من البلدات والقرى الاستراتيجية. هذا التحرك يتماشى مع أحد الأهداف الرئيسية لتركيا في سوريا: منع وجود قوة كردية عسكرية قوية ومنظمات على طول الحدود التركية-السورية.
قوات سوريا الديمقراطية
تُعد قوات سوريا الديمقراطية تحالفًا يضم في الأساس مقاتلين أكرادًا، إلى جانب عرب ومجموعات عرقية أخرى، وبرزت هذه القوات خلال الحرب الأهلية السورية. تأسست قوات سوريا الديمقراطية في عام 2015، وتعمل تحت قيادة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، وقد تلقت دعمًا كبيرًا من الولايات المتحدة، خصوصًا في الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
بعد هزيمة تنظيم "داعش" إلى حد كبير، عززت القوات الكردية سيطرتها على بلدات في الشمال الشرقي، ووسعت منطقة الحكم الذاتي التي أقامتها هناك. ومع ذلك، لا يزال المقاتلون الأكراد يواجهون عدوهم التقليدي، تركيا، التي تعتبرهم امتدادًا لتمرد انفصالي كردي وحزب العمال الكردستاني (PKK).
تركيا
مثل القوى الإقليمية الأخرى، مارست تركيا نفوذها في سوريا من خلال دعم مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري . منذ بداية الحرب الأهلية، أطلق الجيش التركي عدة تدخلات عسكرية عبر الحدود إلى داخل سوريا، معظمها ضد القوات الكردية السورية.
آخر عملية عسكرية لتركيا تعود إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث كان هدف أنقرة إبعاد المقاتلين الأكراد لمسافة لا تقل عن 30 كيلومترًا عن حدودها وإنشاء ما يُسمى بـ"المنطقة الآمنة" في أجزاء من سوريا، تخطط لإعادة توطين اللاجئين فيها.
منذ ذلك الحين، سيطرت تركيا فعليًا على منطقة على طول الحدود الشمالية لسوريا، مما مكنها من التنسيق مع مجموعات المتمردين المناهضة للأسد.
روسيا
تُعد روسيا الحليف الأكثر موثوقية لبشار الأسد، حيث وفرت له الدعم العسكري واللوجستي طوال الحرب. ساهمت الضربات الجوية والقوات الروسية في بقاء الأسد في السلطة لسنوات. ومع ذلك، تراجعت قدرة موسكو على التدخل مع تحويل مواردها إلى الحرب في أوكرانيا.
إيران
تعتبر إيران سوريا حلقة حيوية في "محور المقاومة"، وهو تحالف من الميليشيات في الشرق الأوسط يهدف إلى مواجهة النفوذ الأمريكي وإسرائيل. دعمت إيران الأسد بنشر قوات إيرانية ومقاتلي حزب الله، كما سمح نظام دمشق بمرور الأسلحة من إيران والعراق إلى لبنان.
ومع ذلك، أشارت تقارير حديثة إلى أن إيران سحبت عناصرها، مما يدل على تحديات في الحفاظ على دورها مع سقوط الأسد.
وتعتبر دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.
الولايات المتحدة
في البداية، دعمت الولايات المتحدة مجموعات المعارضة خلال المراحل الأولى من الانتفاضة في 2011، لكنها لاحقًا ركزت جهودها على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
اليوم، يوجد حوالي 900 جندي أمريكي في سوريا، يتمركزون بشكل رئيسي في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد والمناطق الغنية بالنفط في الشمال الشرقي، بالإضافة إلى نقطة عسكرية عند المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق والأردن.
إسرائيل
على مدى العقد الماضي، استهدفت إسرائيل بشكل متكرر أصولًا إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا من خلال غارات جوية متكررة. تهدف هذه العمليات إلى تعطيل نقل الأسلحة إلى حزب الله وتحجيم التهديدات بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
مؤخرًا، تحركت القوات الإسرائيلية إلى مدينة القنيطرة الحدودية القريبة من مرتفعات الجولان ، بعد أن سيطرت مجموعات مسلحة على المناطق المحيطة. وأعلنت القوات الإسرائيلية مناطق عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان على طول الحدود مع سوريا.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن القوات الإسرائيلية سيطرت على منطقة عازلة في مرتفعات الجولان، تم تحديدها بموجب اتفاق وقف إطلاق نار مع سوريا عام 1974.
وقال نتنياهو إن الاتفاق الذي يعود لعقود مضت انهار، مضيفا أن القوات السورية تركت مواقعها، مما استلزم السيطرة الإسرائيلية.
وفي تصريحات صحفية خلال زيارته إلى منطقة قريبة من الحدود مع سوريا، وصف نتنياهو سقوط الأسد بأنه "يوم تاريخي" وقال: "هذه التطورات تفتح أمامنا فرصاً جديدة، لكنها تحمل مخاطر أيضاً. يجب علينا حماية حدودنا وضمان أمن مستوطناتنا".
أعده للعربية: ع.خ