سوريا: أزمة الليرة تغرق إدلب في كارثة وتحرم سكانها من الخبز
١٣ يونيو ٢٠٢٠"جنون"، بكلمة واحدة فقط، تصف منى ما تشاهده حاليا حولها، فعندما تتحرك في شوارع مدينة إدلب، بعد انتهاء العمل، ترى الناس يصطفون أمام الصيدليات أو المخابز، لكي يستطيعوا على الأقل على شراء رغيف خبز أو دواء تمس الحاجة إليه. والثمن آلاف الليرات السورية، ففجأة لم يعد للمال أي قيمة. إنها صور لم ترها منى بهذا الشكل من قبل على الرغم من تسع سنوات من الحرب: "أخشى أن يجوع الكثير من الناس. لا أعرف ماذا أقول. يبدو الأمر وكأنه اختناق". اختناق لأن الظاهر أنه لا يوجد هنالك وقت لأخذ نفس عميق.
منذ شهور، تتواصل DW (دويتشه فيله) مع منى وسكان آخرين في محافظة إدلب، التي يسيطر عليها المتمردون الإسلاميون. وهم يرسلون لنا انطباعاتهم وصورهم عبر تطبيق "واتساب".
وبعد معارك عنيفة، وجدوا الأمل في أوائل مارس/ آذار، عندما دخلت هدنة، وإن كانت هشة، حيز التنفيذ. ولكن سرعان ما تم استبدال الاستراحة القصيرة بالقلق بسبب المخاوف من فيروس كورونا. والآن تهددهم كارثة جديدة بسبب الانخفاض السريع في سعر صرف العملة الوطنية.
فالليرة السورية تواصل يوميا سقوطها. ومقابل دولار أمريكي واحد عليك في بعض الأحيان دفع أكثر من 3000 ليرة في السوق السوداء وفي مكاتب الصرافة. وللمقارنة، كان السعر قبل قبل عام هو 600 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وأسباب انخفاض العملة معقدة ومنها أن الاقتصاد السوري يعاني من أزمات الحرب، وتبعاتها، وكذلك الإجراءات ضد فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور، والذي يدير عبره أفراد من القطاع الخاص والشركات السورية التعاملات التجارية الدولية التقليدية.
منى: كثير من سكان إدلب يؤيدون فرض عقوبات على الأسد
بالنسبة لمنى هناك نقطة أخرى مهمة بشكل خاص: "أحد أسباب هذا التطور هو العقوبات الجديدة ضد نظام الأسد"، كما تقول. "سيتم تطبيق قانون قيصر قريباً".
قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، أو ما يعرف اختصاراً باسم قانون قيصر، يختفي وراء هذا الاسم قائمة العقوبات التي تبناها مجلس الشيوخ الأمريكي في نهاية عام 2019. وسُمي القانون على اسم مصور وثق عشرات الآلاف من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. والعقوبات تستهدف الأشخاص والشركات التي تتعامل مع نظام الأسد، وتدخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران الجاري.
وتعتقد منى أن العقوبات صحيحة مبدئياً: "كثير من الناس في إدلب يؤيدون الحزمة. ونحن نعتقد أن الإجراءات تضعف نظام الأسد. لكن في الوقت نفسه، بالطبع، يعاني السكان أيضاً من الوضع الاقتصادي السيئ وانخفاض سعر العملة".وتضاعفت أسعار الخبز في الأيام الأخيرة. وبدايةً، لن يفتح العديد من تجار التجزئة متاجرهم أبدا. ووصلت الحياة الاقتصادية في مدينة إدلب، عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم، إلى طريق مسدود إلى حد كبير.
منى نفسها لا تزال أمورها جيدة نسبياً. عمرها 25 عاماً، وهي متزوجة وتعمل في منظمة مساعدة أجنبية ويتم دفع راتبها بالدولار الأمريكي. ومع ذلك، تشعر أيضاً بعواقب انخفاض العملة. إنها لا تستطيع حالياً شراء اللحوم، فهي "باهظة الثمن". كما أنها لا تملك خضروات في المنزل، ولا توجد كهرباء مستمرة. إنها تخزن فقط المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز أو الدقيق.
دكتور سميح قدور: العقوبات لن تنهي القتل من قبل الأسد
في مستشفى عقربات على الحدود التركية لم يشعر سميح قدور على الفور بتراجع الليرة السورية. ويقول الطبيب البالغ من العمر 48 عاماً: "في الوقت الحالي ما زلنا مجهزين بشكل معقول". الدولار هو أيضا العملة الرسمية في العيادة، وهي متخصصة في جراحة العظام وإعادة التأهيل.
ومن أجل منع حدوث عجز في الأدوية والمواد الطبية، يبحث قدور وزملاؤه عن شركاء لدعم العيادة من المنظمات الدولية وأيضاً مشاريع المساعدة الصغيرة من الخارج، حسبما يقول الطبيب ويضيف: ما تحتاجه المستشفى هي "سلسلة توريد طبية قوية".
ما يراه خارج المستشفى يقلقه. سيفقد الناس بشكل متزايد الأمل في أن تتوقف معاناتهم. "أصبح لدى الجميع الآن مخاوف أكثر من ذي قبل. إنهم يخافون من الجوع، وعودة الحرب والمزيد من النزوح".
تماماً مثل منى وكثيرين غيرها، يخشى الدكتور قدور أيضاً من عقوبات قانون قيصر. "لكن في الداخل، لا نعتقد أن الأسد وحلفائه سينهون القتل وينتقلون إلى مسار سياسي". وبدلاً من ذلك، ستزيد التدابير من تفاقم الحالة المعيشية للمجتمع. ويعني قانون قيصر أيضاً المزيد من التضخم والمزيد من الفقر، يقول قدور.
هكذا هو الوضع الحالي. وخلف رسالة الواتساب هذه، يضع قدور إيموجي "الوجه الحزين" المعروفة في الرسائل.
محمد: غالبية الناس يعيشون تحت خط الفقر
نادراً ما يستخدم محمد إيموجي الوجه الضاحك عندما يكتب. الشاب البالغ من العمر 25 عاماً هو أحد الذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب. دُمر منزل عائلته في غارة جوية بعد فرارهم منه. ومثل ما يقرب من مليون شخص آخر، يعيش في مخيمات اللاجئين المؤقتة في الشمال بالقرب من الحدود مع تركيا، وذلك منذ أكثر من عام. وعندما يُسأل عن حاله، يجيب بإيجاز دائماً، عادة في كلمة واحدة: "جيد". الجميع بصحة جيدة، لا يوجد شيء جديد. الحياة اليومية في المخيم: رتيبة، قاتمة وحزينة.
لا أحد هنا لديه مال تقريباً، رغم ذلك فتراجع قيمة الليرة موضوع يشغل بال محمد. ويقول في رسالة صوتية: "غالبية الناس في شمال سوريا يعيشون تحت خط الفقر". لا توجد أي فرص عمل في المنطقة على أي حال، والآن يتزايد الفقر بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار. وهذا، حسبما يضيف محمد، "له أثر سلبي على جميع الناس في سوريا. سواء هنا معنا أو في المناطق التي يسيطر عليها الأسد".
وعلى كل، فإن الوضع في منطقة إدلب معقد بشكل خاص. وتقع آخر محافظة يسيطر عليها المتمردون السوريون بالقرب من الحدود التركية تحت سيطرة الميليشيات الإسلامية. وهم في الأساس مقاتلون من هيئة تحرير الشام التي انبثقت عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي. وبما أن قوات الأسد متواجدة في جنوب المحافظة، إذن يجب استيراد جميع السلع لإدلب عبر الحدود التركية. ويتم استخدام الليرة التركية أكثر فأكثر كوسيلة للدفع.
النقد الأجنبي نادر في إدلب وحولها. وانسحب العديد من المانحين الدوليين خوفاً من أن يُدعم المتطرفون بأموالهم. وانخفاض العملة يجعل الوضع أكثر دراماتيكية.
هيئة تحرير الشام بحاجة إلى المال. وهذا هو السبب في أنها تبحث بشكل متزايد عن طرق لكسب المال بسرعة، ولهذا زاد الإسلاميون بشكل تعسفي الضرائب عدة مرات، على سبيل المثال على الكهرباء وإمدادات الإغاثة الدولية، الأمر الذي زاد من غضب السكان.
منى: السخط على الميليشيات في إدلب يتزايد
منذ أيام تتكرر المظاهرات ضد أفعال هيئة تحرير الشام في إدلب. وتشارك منى الانتقادات: "أنا لا أؤيد أي شيء يتعلق بهم. أبداً. أنا ضد أي جماعة مسلحة".
عندما تفتح منى النافذة في شقتها بوسط المدينة في المساء، تسمع الأبواق والهتافات من قبل الناس الغاضبين، وهم يهتفون خلال الظلام معلنين كراهيتهم للأسد ولهيئة تحرير الشام. "كانت المظاهرة قريبة هنا قبل أيام قليلة". وتشير التقديرات إلى أنه كان هناك حوالي 500 مشارك "لقد صاحوا بصوت عال: يسقط النظام! النظام هو المسؤول، والميليشيات هي المسؤولة. احتجوا على الوضع".
لا تعتقد منى أن الاحتجاجات ستنجح. "لا يزال هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن للناس القيام به. إنهم خائفون من المجاعة". ليس لديك فكرة عما يمكن أن يأتي بعد ذلك. أصبح الوضع في إدلب ببساطة "غير متوقع" بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية. وتكتب منى أحيانا أنها تشعر بالعجز. "ومن ثم أفكر في أنني سأنهار".
إيستر فيلدن/ بيرغيتا شولكه-غيل/ عباس الخشالي