سكان بغداد يتأقلمون مع الموت والهجمات التي تستهدفهم كل يوم
١ يونيو ٢٠١٣"لا يتكرر الموت مرتين"، بهذه الكلمات وبلهجة ساخطة بدأ زهير جاسم، صاحب إحدى المقاهي الشعبية في منطقة الحرية بالعاصمة العراقية بغداد، حديثه مع DWعربية عن طبيعية الحياة في المدينة خلال هذه الأيام. "إحنة (نحن) العراقيين تعودنا (اعتدنا) على هذا الحال منذ حرب عام 2003".
تحدي الموت
ويقول جاسم الذي كان يتحدث مع أحد زبائنه عن آخر التطورات الأمنية في بغداد، إن "شبح الموت المفخخ الذي أخذ منا أرواح الكثيرين من الأهل والأصدقاء يمكن أن يضرب كل شيء أمامه بدون موعد مسبق... لكنه لم يكن عائقاً أمام ممارسة حياتنا اليومية بشكل طبيعي". ويضيف جاسم (31 عاماً)، الذي كان مقهاه مكتظاً بالزبائن من الشباب وغالبيتهم يدخن النرجيلة (الشيشه) ويتسمرون أمام شاشة التلفاز لمتابعة مباراة لكرة القدم الأوروبية، "على الرغم من ظاهرة استهداف المقاهي والمطاعم، إلا أن رواد مقهاي لم ينقطعوا عن زيارتي حتى آخر ساعات الليل، كونها (المقاهي) تمثل المتنفس الوحيد لهم في ظل غياب أماكن الترفيه".
ولقي المئات من المدنيين، مؤخراً، حتفهم نتيجة للاستهداف الذي طال الكثير من المقاهي الشعبية والمطاعم العائلية والأسواق العامة، حتى عمد بعض أصحاب هذه الأماكن إلى إغلاقها حفاظاً على حياة الزبائن، إلا أن البعض الآخر بقي يستقبل مرتاديه حتى ساعات متأخرة من الليل غير مبالٍ بهذا الاستهداف الذي قد يطاله في أي وقت.
وبسؤاله عن رأيه في الاستهداف الذي طال العديد من مقاهي بغداد، الشعبية منها والعصرية، وكان أشهر هذه الهجمات هو بتفجير مقهى "دبي"، يجيب "على الرغم من الاحتياطات الأمنية التي نتبعها نحن أصحاب المقاهي، إلا أنها لم تكن عائقاُ أمام الهجمات المستمرة"، في إشارة إلى الهجمات ضد المقاهي.
وشهد مقهى "دبي" في منطقة العامرية غربي بغداد، يوم 18 نيسان/ أبريل 2013، تفجيرا نوعيا بعبوة ناسفة كانت موضوعة تحت إحدى طاولات البليارد، أودى بحياة وجرح عشرات الشباب، ودعا صاحب مقهى "الكلاسيكو" الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حفظ الأمن إلى "الضرب بيد من حديد على أيدي كل من يعبث بأمن البلاد وسلامة مواطنيه".
تأقلم مع الوضع الأمني
إلى ذلك، تقول سلوى البدري، الصحفية والناشطة المدنية، التي تقطن منطقة المشتل ببغداد، إن "المواطن العراقي تكيف مع هذه الأوضاع التي تفتقر إلى أبسط مقاومات حقوق الإنسان"، في إشارة إلى غياب الأمن ناهيك عن تذبذب في توفير الخدمات الرئيسية للمواطن كالماء والكهرباء.
وتضيف البدري (54 عاماً)، في حديث مع DW عربية، التي جاءت إلى شارع فلسطين لشراء بعض الحاجيات المنزلية من أحد الأسواق، "نحن لا نضمن إذا خرجنا من البيت سوف نعود إليه أم لا. لقد سئمنا من كثرة الانفجارات والتهديد والوعيد... نريد أن نعيش بسلام بعيداً عن أعمال العنف".
وتشهد أسواق العاصمة بغداد ركوداً ملحوظاً في حركتها التجارية باستثناء تجارة المواد الغذائية، وذلك بسبب تخوف المواطنين من العمليات الإرهابية التي تستهدف الأماكن الحيوية كالأسواق والمطاعم والمقاهي في المدينة بين فترة وأخرى.
"العنف يزورنا متى شاء"
أما الموظف الحكومي نعمة عيدان، الذي يسكن في مدينة الصدر شرقي بغداد، والتي تتعرض بشكل مستمر لتفجيرات عنيفة، فيرى أن "العنف" يزور مدينته "كلما يشاء"، ولم يكمل عيدان (27 عاماً)، حديثه مع DW عربية، حتى سمع دوي انفجار عنيف هز منطقة سكناه.
وبعد أن اطمئن عيدان على أهله بالاتصال هاتفياً بهم، أضاف "لا اعرف من هو الضحية هذه المرة، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل ورحم الله شهداءنا". وتابع "لقد أصبحنا أشبه بمن يعاني من الاكتئاب الذي يعتزل الناس والحياة ويعتكف داخل منزله".
وعن كيفية تعامله مع التفجيرات التي تهدد المدنين في منطقته، يوضح عيدان الذي لا يبخل في تقديم النصائح لإخوته وأصدقائه، بالقول "لأجل الحفاظ على سلامتك تجنب السيارات المتوقفة على جانب الطريق ولا تتواجد في الأماكن المزدحمة أو الجلوس في المقاهي والمطاعم وعدم رفع أي شي من الأرض".
وينهي حديثه بالقول: "لقد تحولت حياتنا إلى جبهة عسكرية مفتوحة، ولكن العدو مجهول، ويحصد من الأرواح ما يشاء في ظل غياب المنقذ... التفجيرات تستهدف الأبرياء الذين غالباً ما يكونون فريسة سهلة للمخططات الإرهابية"، بحسب قوله.
وتشهد العاصمة بغداد، بعد الانسحاب الأمريكي من العراق أواخر عام 2011، وتيرة عنف متصاعدة، تسجل حوادثه باسم مجهول، وتنفذ بواسطة السيارات الملغمة والعبوات الناسفة واللاصقة، حتى ارتفع عدد القتلى في شهر نيسان/ ابريل 2013 إلى أكثر من 400 قتيل.