"زيارة بوش للمنطقة تهدف إلى ربط عملية السلام بتشديد العزلة على إيران"
١٠ يناير ٢٠٠٨أكد الرئيس الأمريكي جورج دبيلو بوش خلال حفل الاستقبال الذي اجري له في إسرائيل، التي تعتبر المحطة الأولى في جولته الشرق أوسطية، أن واشنطن تسعى لسلام دائم وأنها مدركة بأن هناك فرصة جديدة للسلام وللحرية في أرجاء المنطقة، معلنا في الوقت نفسه أن "التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل يساهم في ضمان أمن إسرائيل كدولة يهودية".
وكان بوش، قبل مغادرته واشنطن، قد قال بأن زيارته للشرق الأوسط تستهدف دفع "رؤية" إقامة دولة فلسطينية كأساس لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مؤكدا في تصريحاته للصحفيين أن بلورة رؤية واضحة في هذا الصدد أمر ضروري لمواجهة الجماعات "الإرهابية" مثل حركة حماس التي تسعى لتدمير إسرائيل، على حد قوله.
توقيت الزيارة وأهدافها
وتعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها للرئيس الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تأتي في ظل ظروف حرجة تمر بها المنطقة، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين، أو فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
وفي لقاء مع موقعنا أوضح المفكر والمحلل السياسي برهان غليون أن الرئيس الأمريكي جورج بوش يأتي إلى المنطقة "من أجل تحسين شروط العمل لعزل إيران"، معربا عن اعتقاده "بأن الأمريكيين يربطون بين عزل إيران وبين الدفع بعملية التسوية في الشرق الأوسط ". ويضيف غليون قائلا إن بوش يريد من خلال زيارته أن يعطي للعرب انطباعا بأن تعثر المفاوضات لإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية لا يجب أن يدفعهم إلى اليأس، إنه يريد أن يقنع العرب بالعمل مع واشنطن من أجل عزل إيران".
ويرى برهان غليون أنه لو حدث تقدم في مفاوضات أنابوليس لما كان الرئيس الأمريكي مضطرا للقيام بهذه الزيارة، ولكن نظرا لتعثر عملية التفاوض، فإن بوش يريد أن يضمن بزيارته هذه اصطفاف العرب خلف سياسته الرامية إلى عزل إيران في المنطقة.
سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وضرورة مراجعتها
كان الرئيس المصري السابق محمد انور السادات يقول بأن الولايات المتحدة تملك تسعة وتسعين في المائة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط، لكن يبدوأن أخطاء واشنطن التي واكبت حربها على الإرهاب سواء في العراق أو أفغانستان قد قلصت شيئا ما من النفوذ الأمريكي في المنطقة، وفتحت الباب للاعبين جدد.
إلا أن برهان غليون يرى أن الولايات المتحدة ورغم أخطاءها، لم تفقد شيئا من النفوذ الذي تمتلكه في الشرق الأوسط، لكنها، حسب تعبيره: " لا تستطيع رغم ذلك أن تحقق أي تقدم في عملية السلام، لسبب بسيط، لأنها إلى جانب هذا النفوذ لا تريد أن تمارس أي ضغط على إسرائيل. وكلنا يعرف أن بؤرة الأزمة في الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية التي مازالت مستمرة منذ أكثر من نصف قرن. كما أن الدعم غير المشروط لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة قوض مصداقية سياستها حتى لدى تلك الأنظمة العربية المرتبطة بالدعم الأمريكي. إن السياسة الأمريكية تعيش أزمة في الشرق الأوسط، وواشنطن غير قادرة على مراجعة سياستها، وحتى وإن قامت بمراجعة سياستها بعد غزو العراق، إلا أن تلك المراجعة ما تزال محدودة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".
وحتى على المستوى العربي، يرى غليون، أن لا مصالحة عربية تلوح في الأفق، وأنه ليس هناك أكثر من "تبويس لحى"، حسب تعبيره. فالسياسة العربية من وجهة نظره تعيش تناقضات عميقة، معتبرا أن ذلك يرتبط أيضا بعجز الأمريكيين عن الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق باحتلال الأراضي الفلسطينية أو السورية.
وماذا عن الدور الأوروبي؟
أما فيما يتعلق بالدور الأوروبي في المنطقة، فيرى برهان غليون أنه كان يفترض أن يقوم الأوروبيون، إلى جانب الولايات المتحدة، بلعب دور في الشرق الأوسط فيما يتعلق بلبنان وسوريا، لأن هذا في نظره هو المنفذ الوحيد لأوروبا في الشرق الأوسط، لكن ـ يضيف المفكر السوريـ:
"لم تكن السياسة الأوربية فعالة ومن الصعب أيضا أن تكون فعالة. أولا لأن أوروبا ككل لا تملك قدرة الضغط على إسرائيل وواشنطن في المنطقة وليس لديها هامش مبادرة كبيرة، وثانيا لأن أوروبا مكونة من دول غير متفاهمة وغير موحدة فيما يخص السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وخصوصا تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. ويتابع "لذلك فإن وزن أووربا في المنطقة مازال ضعيفا وكل ما تقوم به هو مبادرات صغيرة، مكملة للدور الأمريكي وغير مستقلة عنه".
وأخيرا يعتقد المفكر العربي برهان غليون بأن الأزمة التي تمر بها المنطقة ستزداد احتداما، مشيرا في الوقت نفسه إلى عدم وجود أمال كبيرة أو أفق للخروج من هذه الأزمة، لاسيما بعد أن أضيف إلى الأزمة العربية في السنتين الماضيتين، أزمة الملف النووي الإيراني. ويختتم غليون حديثه بالقول إن المنطقة تسير بخطى حثيثة نحو مواجهة بشكل أو بآخر، ونحو تفاقم أكبر للأزمة.