رموز دينية داخل دولة علمانية
١١ سبتمبر ٢٠٠٧صليب معدني معلق على الحائط و صورة للبابا بينيديكت السادس عشر. بهذه الرموز اللافتة للنظر اختار البروفيسور شتيفان موكيل أن يزين مكتبه داخل الجامعة، إنه لا يرى مشكلة في ذلك ، لأن الإنسان ها هنا حر في اختيار ديكور لمكتبه . لكن، هل بالإمكان تعليق هذا الصليب في قاعة المحاضرات ؟ عن هذا السؤال يجيب البروفيسور الباحث في علوم الأديان بالنفي لأنه يسقط المرئ في إشكالية الحياد . يعنى بذلك أنه في الأماكن العامة يلزم الحياد مثل داخل المحاكم وحجرات التدريس حيث لا يجب إعطاء الانطباع بالتحيز لدين أو عقيدة معينة على حساب أخرى.
ألمانيا بين الدين والعلمانية
وفي ألمانيا يعتبر الدين مسألة شخصية في المقام الأول ، لكن مكتب البروفيسور ليس بمكان خاص. وهنا يتضح جليا أن هناك تناقضا. فألمانيا من جهة، وحسب التشريع الألماني دولة علمانية تجتهد في التفريق بين الدين و الدولة، لكن في الممارسة يصعب الحفاظ على هذا الفصل في الكثير من الأحيان مقارنة مع الجارة الفرنسية التي تتعامل بصرامة أكبر في هذا الميدان
وينعكس ذلك بشكل تفاوتي داخل المجتمع الألماني. فألمانيا ليست بالدولة الكنسية، ومع ذلك تتعاون الدولة في كثير من الأحيان ماديا وفكريا مع الكنيسة، فهذه ليست حالة طبيعية يضيف البروفيسور موكيل، أن تحصل الضرائب من طرف الدولة بنص دستوري لفائدة الكنيسة ، وأن تلقن الدروس الدينية في المدارس الحكومية. وتنشط الكنائس وبمساعدة الدولة بقوة في الميدان الاجتماعي، انطلاقا من رياض الأطفال مرورا بالمدارس والمستشفيات حيث تعتبر الكنيسة أكبر مشغل في المرافق العمومية بعد الدولة.
عودة الأديان
تعيش الكنيسة أزمة كبيرة نتيجة تضائل عدد المؤمنين، الذي يؤثر سلبا على مداخيلها، لكن موازاة مع ذلك نشهد عودة الدين إلى الحياة الاجتماعية .
في ماي 2007 ، احتفل حوالي 500000 شخص بيوم الكنيسة البروتستانتية الألمانية بكولونيا. وفي يوليو فرشت مدينة هامبورغ البساط الأحمر لدالايلاما و استقبلته بحشد كبير قدر ب 50000 شخص أتوا للإستماع إلى دروسه البوذية، دون أن ننسى في هذا السياق اليوم العالمي للشباب في عام 2006 والذي اعتبر أكبر حفلة عالمية في ألمانيا مند سنين.
بناء مسجد ليس بسؤال قانوني
أينما يوجد الدين تحضرأيضا رموزه، فكل الأديان تعبر عن نفسها بوضوح من خلال طقوسها ورموزها، فهي تحيى من خلالها وهنا يطرح السؤال عن مدى القبول بهذه الرموز في دولة علمانية مثل ألمانيا من دون أن تؤثر على هويتها؟.
فبناء مسجد كبير في مدينة ليبرالية ككولونيا يجد الكثير من العراقيل والمصاعب، ويثير الكثير من النقاشات حول هذا الموضوع. كم من مسجد تستحمل مدينة كولونيا؟، ما هو طول الصومعة؟ ما هو حجم القبة؟
أسئلة تتعالى تلو الأخرى، ما كانت أن تطرح بهذه الحدة و التدقيق و بكل هذا اللغط، لو كان الأمر يهم بناء كنيسة؟.
فلماذا يحس معارضي بناء هذا المسجد بكل هذا الانزعاج؟
رموز دينية لا يشملها المنع
أما فيما يتعلق بقضية الحجاب، فتحس الجالية المسلمة في ألمانيا أنها تعامل بطريقة غير عادلة. فصحيح أن الكثير من الولايات الألمانية استصدرت قوانين المنع داخل الأماكن العمومية لكن يظل هذا المنع انتقائيا وغير عادل، ففي بعض الولايات الألمانية يتعامل مع الموضوع بنوع من التمييز، ففي الوقت الذي تتساهل فيه مع الرموز الدينية الأخرى كالمسيحية واليهودية وتسمح بحملها، تمنع الحجاب على اعتباره رمزا للدين الإسلامي.
و حينما ترتدي معلمة الحجاب داخل الحجرات الدراسية يعتبر البعض هذا المشهد، استعراضا للإسلام الأصولي الذي يضطهد المرأة، كما يرون أنه خرق للحياد الديني داخل المدارس العمومية، لكن في المقابل تظل القبعة اليهودية والصليب أو حتى الراهبات الكاثوليكيات بأزيائهن يزاولن مهامهن من دون أدنى تعقيدات داخل التعليم العمومي في مجموع الولايات الألمانية، تحت ذريعة مفاذها أن هذه الرموز تعبر عن التقاليد والثقافة المسيحية وفقا لتشريعات وقوانين الولايات الألمانية .
فماذا إذن عن حياد الدولة اتجاه الأديان والعقائد؟ فالمحكمة الدستورية الألمانية تريد تعاملا موحدا مع كل الاتجاهات العقدية. هذا ما أدلى غيرت أولريش كابتاينا، المتحدث باسم المحكمة الإدارية لمدينة دوسلدورف في تصريح لدويشته فيله. لقد أكد القضاء قراره في 14 أغسطس/ آب في قضية منع معلمة من ارتداء حجاب داخل الحجرات الدراسية، مؤكدا بالموازاة مع ذلك أنه لا يسمح بالتفريق في التعامل بين الديانة المسيحية والإسلامية.
و بجانب مشاكل أخرى، لا زالت عالقة، تبين قضية الحجاب هذه مدى التحديات التي تطرحها ظاهرة عودة الدين في مجتمع علماني كألمانيا.