رئيس وكالة الطاقة ينتقد تناقضات شركات النفط بشأن المناخ
١٢ أبريل ٢٠٢٣حذر رئيس الوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول في مقابلة مع DW من أن شركات النفط تعمل على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري ما يمثل تعارضا مع سبل مساعي وقف ارتفاع احترار الأرض.
وأضاف "إذا قررت (شركات النفط) العمل بلا هوادة على زيادة إنتاجها من النفط أو الغاز أو الفحم وتبنت ذلك في استراتيجياتها فيما تصر في الوقت نفسه على أن هذا يتماشى مع هدف تقييد ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، فإن هذا يمثل إشكالية".
وتحظى الوكالة، التي تعد كيانا عالميا مرموقا في جمع بيانات الطاقة وتحليلها، بمكانة قوية لدى الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم خاصة بعد أن جرى إنشاؤها من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعد أزمة النفط عام 1973 للمساعدة في تأمين إمدادات الطاقة وجُلها من الوقود الأحفوري.
بيد أنه خلال السنوات الأخيرة، توسع نطاق عمل وكالة الطاقة الدولية ليشمل مساعدة الدول الأعضاء في مواجهة ظاهرة تغير المناخ .
وكان قادة العالم قد تعهدوا خلال مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 بالحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض من ظواهر الطقس المتطرفة غير المسبوقة مثل موجات الحرارة والأعاصير، بيد أن علماء حذورا من بلوغ مستويات الاحترار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2050.
وفي سياق متصل، تخطط بعض شركات الوقود الأحفوري إلى توسيع عملياتها.
وتعليقا على ذلك، قال بيرول "يتعين علينا خفض استهلاكنا من النفط والغاز والفحم. وإذا كنا قادرين على القيام بذلك بما يشمل وجود مسار ذا صلة، فإن حقول النفط والغاز ومناجم الفحم الحالية تفوق تلبية نمو الطلب على الطاقة".
"لا حقوق نفط أو غاز جديدة"
كانت وكالة الطاقة الدولية قد أصدرت في تقريرها عن توقعات الطاقة العالمية لعام 2021 خارطة طريق لإظهار كيف يمكن للاقتصاد العالمي أن يصل إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصفرية بحلول عام 2050 بما يضمن الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
وفي إشارة إلى ذلك، قال بيرول إن هذا السيناريو يُجرى استخدامه الآن بمثابة "كتاب مقدس لعالم الطاقة وعالم المال والعديد من الحكومات."
وتكمن إحدى معالم خارطة الطريق الرئيسية في وقف ضخ استثمارات في حقول جديدة لإنتاج الوقود الأحفوري بما يشمل أعمال التنقيب فيما يتطلب مسار وقف ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية "عدم الموافقة على تطوير حقول نفط وغاز جديدة وعدم وجود مناجم فحم جديدة أو الشروع في توسعات المناجم الحالية".
وشدد أحدث تقرير صدر عن وكالة الطاقة الدولية على ضرورة تطبيق هذا الهدف رغم وجود فجوة استثمارات سنوية تبلغ 18 مليار دولار في حقول نفط جديدة حتى نهاية العقد فيما قال الناطق باسم الوكالة في مقابلة مع DW إن هذه الحقول تمت الموافقة عليها بالفعل ولكنها "تتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات خلال السنوات القليلة المقبلة لكي ترقى إلى مستوى الإنتاج الكامل".
في المقابل، قال المعهد الدولي للتنمية المستدامة البحثي إن تطوير حقول نفط وغاز جديدة "لا يتوافق" مع الهدف العالمي للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض في نطاق 1.5 درجة مئوية.
وقد توقع سيناريو الحياد الكربوني الوارد في أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية انخفاض الطلب في عام 2050 على الفحم والنفط والغاز بنسبة 90٪ و 80٪ و 70٪ على التوالي فيما مارس نشطاء المناخ والمستثمرون ضغوطا على شركات الطاقة للعمل على تحقيق هذا الهدف.
وقال بيرول "إذا قالت إحدى شركات النفط إنها سوف تعمل على زيادة إنتاج النفط، فإنا لا استحسن ذلك، لكن الأمر برمته خيارها. لكن إذا قالت إنها سوف تزيد إنتاجها النفطي بمقدار 3 ملايين برميل يوميا فيما تتماشى استراتيجيتها مع اتفاقية باريس .. فهذا لن ينجح ويمثل تناقضا واضحا".
الفشل في إقرار ثورة الطاقة المتجددة
ورغم التحذيرات التي أصدرتها حيال الوقود الأحفوري إلا أن الوكالة الدولية للطاقة مازالت بطيئة في استيعاب النمو في إنتاج الطاقة النظيفة وهو الأمر الذي أثار انتقادات من قبل العلماء ومحللي الطاقة حيث قالوا إن الوكالة تقلل من أهمية كميات الكهرباء الذي يُجرى انتاجها باستمرار من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقد توقعت تقارير الوكالة التي تحظى بمصداقية كبيرة، نموا أقل بكثير في البنية التحتية للطاقة المتجددة وهو ما ألقى بظلاله على القرارات الحكومية في التعامل مع قطاع الطاقة المتجددة بجدية أقل.
وفي رده، قال بيرول "إنه من الطبيعي أن تتعرض أهم منظمة للطاقة لانتقادات من جهات مختلفة، لكن معظم الانتقادات مرجعها أننا ندفع مسار الطاقة النظيفة بقوة لدرجة أننا نقوض أهمية الوقود الأحفوري."
بيد أن التغير في تقديرات الوكالة بشأن الطاقة النظيفة يرجع جزئيا إلى أن التغير السريع الذي طرأ على سياسات دعم الطاقة المتجددة فيما يقول الخبراء إن الوكالة كانت بطيئة في التعلم من أخطائها وتحديث النماذج الواردة في تقاريرها.
وفي هذا السياق، قالت جيني تشيس، محللة الطاقة الشمسية في مجموعة أبحاث الطاقة النظيفة "بلومبرغ إن إي أف"، إن "الوكالة فشلت مرارا وتكرارا في فهم ثورة الطاقة المتجددة الفتية، لكنها بدأت في فهم ذلك".
واشار أحد مصممي نماذج الطاقة وهو أندرو سميث من جامعة "كوليدج كورك" الإيرلندية، إلى استمرار بعض المشكلات، مضيفا أن "تكاليف دمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكات الكهرباء تعد أعلى في الواقع من الأرقام الواردة في نماذج الوكالة الدولية للطاقة. هذه مشكلة منهجية جرى ذكرها منذ سنوات عديدة ورغم ذلك مازالت تكرر حتى الآن".
لا مفر من تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري
ومع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، تزايدت الدعوات إلى ضرورة وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وعلى وقع تزايد حدة ووتيرة ظواهر الطقس المتطرفة، دعت منظمة الصحة العالمية إلى وضع خطة ملزمة بشكل قانون ترمي إلى التخلص التدريجي من استكشاف الوقود الأحفوري وانتاجه فيما حذرت في عام 2021 أن ظاهرة تغير المناخ باتت "أكبر تهديد صحي منفرد" يواجه البشرية.
من جانبها، دعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مارس / آذار الماضي إلى ضرورة انخفاض تلوث الكربون بمقدار الثلثين في غضون 12 عاما للحصول على نصف فرصة من أجل إبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية فيما يجب أن ينخفض إلى 80 بالمائة بحلول عام 2040.
وشهد الشهر الماضي إعلان شركات النفط الكبرى وقف تمويل وقود الطحالب الحيوي خاصة شركة عملاق النفط الأمريكي "إكسون موبيل" التي تعد آخر شركة نفطية مؤيدة لوقود الطحالب الحيوي، لكن شركة شل أعلنت عن تراجعها عن خطط خفض إنتاج النفط بصورة مفاجئة.
وفي تعليقه، قال بيرول "إن الأمر غاية في البساطة، إذا أردنا الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية، فلا يمكننا استهلاك نفس القدر من النفط والغاز والفحم الذي نستهلكه اليوم. الأمر لا يتسم بالغموض."
أجيت نيرانجان / م ع