دليوس: أشعر بالخجل لأن الغرب لم يرحب بتطلعات العرب نحو الحرية
٣٠ يونيو ٢٠١١"أي شخص يستطيع كتابة مدونات – هنا تجد كتباً حصلت على علامة الجودة الأدبية": هذا ما يكتبه بمرح وثقة بالنفس فريدريش كريستيان دليوس على صفحته بالإنترنت، وبجوار هذه العبارة يجد الزائر قائمة بأعماله التي نالت "علامة الجودة" وتوجت بعدة جوائز أدبية كان آخرها جائزة بوشنر المرموقة، ومنها: "بطل الأمن الداخلي"، و"مقديشو، مقعد بجانب الشباك"، و"المرأة التي اخترعتُ من أجلها الكمبيوتر"، و"قاتل لمدة عام" التي تُرجمت قبل أعوام إلى اللغة العربية. بأسلوبه التوثيقي الشيق الذي يمزج الواقع بالمُتَخيَل يتناول دليوس في هذه الأعمال أحداثاً مهمة في التاريخ الألماني المعاصر، مثل حقبة النازية وفترة الانتفاضة الطلابية وإرهاب منظمة الجيش الأحمر. الأديب الكبير خصّ القسم العربي بدويتشه فيله بهذا الحوار الذي يتحدث فيه عن الثورات العربية وعن أعماله الأدبية:
دويتشه فيله: أنت مراقب نقدي لما يحدث في العالم – كيف تنظر إلى ما يحدث الآن في المنطقة العربية؟
دليوس: ما يحدث في رأيي أمر مثير للغاية. كثيرون في العالم العربي يتطلعون إلى الديمقراطية وحرية الرأي وإنهاء الحكم الديكتاتوري، هذا أمر مشجّع جداً. لكنني أشعر بالخجل لأن الغرب – أي أوروبا وأميركا – لم يرحب على النحو الكافي بهذه التطلعات نحو الحرية.
البعض يقارن "الربيع العربي" بما حدث في أوروبا الشرقية عقب انهيار سور برلين عام 1989. هل ترى أوجه تشابه؟
في الحقيقة هناك القليل من التشابه. لقد أطلق الشباب شرارة ما يحدث في الدول العربية، ولم تكن لهذه الأحداث تاريخ طويل من الإعداد والتحضير مثلما حدث في أوروبا الشرقية. لست خبيراً بالمنطقة العربية، غير أن ما حدث في أوروبا الشرقية كان مختلفاً، إذ شهدت أوروبا لمدة سنوات طويلة أحداثاً عديدة، ثم بالتدريج تطورت الأحداث إلى أن سقط الجدار. ولكن ما حدث في العالم العربي – حسب معلوماتي - كان أكثر فجائية وسرعةً. هذا في رأيي أحد الفوارق. لكنني أعتقد أن الأمور تحدث في كل دولة من دول العالم على نحو مختلف، وعلينا ربما أن نسلط الضوء على أوجه الشبه لا الفوارق.
هل قرأت أعمالاً من الأدب العربي؟
لا. لقد عملت فترة طويلة محرراً في دار نشر، وقرأت أعمالاً من الأدب الإيراني، لكني لم أقرأ شيئاً من الأدب العربي. الأدب العربي لم يحظ بالاهتمام في ألمانيا ولم يترجم على نطاق واسع إلا في الفترة الأخيرة.
سيد دليوس، انتابت الدهشة بعض النقاد عندما سمعوا نبأ حصولك على جائزة بوشنر هذا العام. هل كان اختيارك مفاجأة لك أنت شخصياً؟
نعم، الاختيار فاجأني تماماً. ولكن هذا من طبيعة الجائزة. في كل عام يحدث نفس الشيء، ويعتبر النقاد الاختيار جيداً أو غير جيد. أعتقد أن هذا جزء من عملية منح الجوائز.
في أحد أشهر أعمالك، أعني قصة "يوم الأحد الذي أصبحتُ فيه بطلاً للعالم" تمثل كرة القدم فعلاً تحررياً من سطوة الأب الصارم. ولكن في الحقيقة، وكما نقرأ في أحد أحاديثك مع صحيفة "فرانفكورتر ألغماينه"، فإن الكتابة هي التي حررتك من الضغوط التي تعرضت إليها طفلاً وصبياً. متى اتجهت إلى الكتابة؟
اتجهت إلى الكتابة في العمر الذي يبدأ فيه معظم الكتاب، أي في عمر المراهقة، في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة. آنذاك كتبت القصائد الأولى، ومبكراً نسبياً استطعت أن أنشر أعمالي وأنا طالب بعد.
هل ما زلت تهتم بكرة القدم؟
اهتمام جانبي فحسب. بين الحين والآخر أشاهد هذه المباراة أو تلك، ولكني لا أشجع فريقاً بعينه.
كل أعمالك تقريباً تدور حول الأحداث التاريخية. أنت ولدت في روما في عام 1942، أي في وسط الحرب العالمية الثانية، ابناً لقس مجند. هل هذه الظروف هي سبب اهتمامك المبكر والدائم بالتاريخ الألماني؟
هذه الحرب تعيش داخلي ككل أبناء جيلي. وحتى وإن كنت لم أعش الحرب على نحو واعٍ، فإنها هي التي طبعت الفترة التي كبرت فيها، كما أثرت على تفكير الناس من حولي، على أقربائي ومعلميّ، ومن الممكن أن يكون اهتمامي بأحداث التاريخ المعاصر نابعاً من تلك الفترة. غير أني أرى أن الحاضر الذي أعيشه أكثر إثارة من الماضي ومن المستقبل.
في روايتك "قاتل لمدة عام"، وهي الرواية الوحيدة من أعمالك التي تُرجمت إلى العربية، يتشوق بطل الرواية إلى التخلص من الماضي الألماني، وأن يعيش في لندن مثلاً، كالكاتب إلياس كانتي. هل تتحدث في هذا الجزء من الرواية عن نفسك؟
الكاتب لا يعرف أبداً بصورة واضحة ما هي الأجزاء المستمدة من سيرته الذاتية وما هي الأجزاء المختلقة. عندما يكتب الكاتب فإنه يفكر طوال الوقت، ويكتب أفكاراً راودته من قبل أو سمعها من آخرين أو قرأها، وكل هذا يتسرب إلى الكتابة. لا أستطيع أن أقول على الإطلاق ما هي الأجزاء المستمدة من سيرتي الذاتية. خلال الكتابة تخطر على بالي أفكار مهمة تتسرب لاحقاً إلى الرواية.
هل تنوي أن تكتب يوماً رواية ليس لها علاقة بالتاريخ؟
لا أعرف ما إذا كنت أستطيع ذلك. ليست لدي خطة حتى الآن لفعل ذلك. إني أتحرك بعيون مفتوحة خلال الحاضر، وهذا هو أهم شيء: أنْ ينتبه المرء لما يحدث حوله. ليس هناك تعارض بين الاهتمام بالماضي والحاضر. فعندما يصف الكاتب صورةً أو شجرة فإن القارئ يلاحظ دائماً متى كُتِبَ هذا الوصف.
سؤال أخير: أنت تعيش في روما وبرلين – ماذا يجذبك إلى العاصمة الإيطالية، وماذا يدفعك إلى الهروب من برلين؟
لا شيء يدفعني إلى الهروب من برلين، ولكن زوجتي تعيش وتعمل في روما. هذا هو السبب الذي يجعلني أعيش معظم فترات العام في روما. ولكني أود لو استطعت أن أقضي فترات أطول في برلين.
أجرى الحوار سمير جريس
مراجعة: أحمد حسو