دقة ضربات الجيش الأوكراني تربك من جديد حسابات بوتين
٧ يناير ٢٠٢٣أعلنت موسكو (الأربعاء الخامس من يناير/ كانون الثاني 2023) عن حصيلة جديدة للضربة الصاروخية الأوكرانية ليلة رأس السنة والتي استهدفتهم في ماكيفكا (شرق أوكرانيا)، حصيلة وصلت لـ89 قتيلا. لكن مراسلي الحرب الروس أنفسهم يتحدثون عن مئات القتلى، فيما أكدت كييف سقوط ما لا يقل عن 400 قتيل روسي. ضربة شكلت صدمة كبيرة للرأي العام الروسي وتحديا للسياسة العدوانية للرئيس فلادمير بوتين. ووفق رواية موسكوالرسمية، فإن استهتار الجنود الروس في استعمال هواتفهم النقالة سمح للأوكرانيين بتحديد موقعهم وتوجيه إحدى أكبر الضربات للجيش الروسي منذ بداية الحرب، في مؤشر على ارتباك الأخير وعدم انضباطه. وبهذا الصدد قال الجنرال الروسي سيرغي سيفريوكوف "من الواضح أن السبب الرئيسي (..) هو التشغيل والاستخدام الكثيفين للهواتف النقالة في مرمى أسلحة العدو رغم الحظر المفروض".
هذه العملية برهنت على قدرات أوكرانيا الكبيرة على استغلال أخطاء الجيش الروسي منذ بداية الحرب وتحديد الموقع الجغرافي للعدو عبر هواتفه النقالة. ويتعلق الأمر بتكنولوجيا معروفة بات استعمالها معروفا في ساحة المعارك. والروس أنفسهم سبق وأن استعملوها في قتل الرئيس الشيشاني الانفصالي جوهر دوداييف حينما تم ضربه بصاروخ أرض جو روسي عام 1996، بعد تحديد موقع هاتفه بالأقمار الاصطناعية. القدرة الهائلة التي أظهرها الأوكرانيون على مقاومة الروس تفتح توقعات مآلات الحرب على مصراعيها.
صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" كتبت (الثالث من يناير/ كانون الثاني 2023) معلقة "الحروب مجموعة تطورات وأحداث قوية يصعب معها التنبؤ بمسارها. ومع ذلك، فمن المقامرة توقع بأن روسيا ستصل إلى حدود قوتها وأنه في غضون عام ستكون حالتها العسكرية أسوأ مما هي عليه اليوم. ويبدو الكرملين غير قادر بشكل واضح على حل المشكلات الأساسية لقواته المسلحة. وتشمل هذه المشكلات، الافتقار إلى الحافز والضعف في القيادة وعدم كفاية التنسيق بين الخدمات والنقص المتزايد في الصواريخ الدقيقة والذخيرة (..) السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن الأوكرانيين سيكونون قادرين على صد هجوم روسي كبير جديد مرعب وبالتالي واستعادة المزيد من المناطق. ومع ذلك، ترتبط هذه التوقعات بالعديد من الأمور المجهولة بحيث لا يمكن استبعاد مسار مختلف بشكل كبير".
تأخر تكنولوجيا الاتصالات الروسية
كشفت تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا ومنذ الوهلة الأولى ضعفا واضحا فيتكنولوجيا الاتصالات التي يعتمدها الجيش الروسي الذي يوصف بأنه من الأقوى في العالم، غير أنه سرعان ما أظهر ضعفا في التنسيق اللوجستي وعدم فعالية نظامه الاستخباراتي، إضافة إلى العتاد المتقادم وارتباك في التنسيق بين أنظمة أسلحته المختلفة. في بداية الغزو كان الروس يستخدمون هواتف مشفرة تعتمد تكنولوجيا قديمة تعود لتسعينات القرن الماضي، كان يسهل على الأوكرانيين على رصدها. واضطر الجيش الروسي بعدها لاستعمال الهواتف المدنية وهو ما ليس بديلا ناجعا. ويرجح ألا يكون الجنود استخدموا الهواتف ليلة رأس في سياق عمليات عسكرية. غير أن الأكيد هو أن ضربة ماكيفكا فضحت أكثر من أي وقت مضى الهوة الكبيرة بين التكنولوجيا الغربية ونظيرتها الروسية.
لقد دفع استخدام التقنيات الجديدة في ساحة المعركة الجيش الأمريكي للاستعداد للصراعات المستقبلية وبهذا الصدد نقل موقع "بيزنس إنسايدر" (الخامس من يناير 2023) عن الجنرال ديفيد بيرغر، قائد مشاة البحرية الأمريكية، إن العديد من هذه التغييرات كانت ضرورية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وقال بيرغر إن أحد الدروس الرئيسية هو أن الأجهزة الإلكترونية تكشف عن معلومات أكثر مما يعتقده الكثيرون. وأضاف "يجب أن تكون القوات متحركة بدرجة كافية بحيث يمكن نشر وحداتها بشكل متكرر (..) إن الجنود بحاجة إلى تعلم كل شيء عن التخفي والحيل المستعملة لذلك". وتملك كييف أسلحة غربية متطورة جدا مثل قاذفات الصواريخ هيمارس التي وفرتها الولايات المتحدة وأدوات استخبارية تقنية لا تملكها موسكو.
وقع الصدمة لدى الرأي العام الروسي
يعتقد أن ضحايا الضربة الأوكرانية هم جنود غير محترفين تمت تعبئتهم حديثًا، لذلك اندلع الجدل داخل روسيا بشأن من يتحمل المسؤولية في ما حدث. الجنرال الروسي سيفريوكوف قال إن "هناك لجنة تحقّق لبحث ملابسات ما حدث". راينر موننتس، مراسل شبكة "إن.تي.ف" الألمانية في موسكو (الرابع من يناير) أوضح أنه بعد الأوكرانية على الثكنة العسكرية الروسية في ماكيفكا "زاد من استياء منتقدي الكرملين ووزارة الدفاع وسياستها الإعلامية. في غضون ذلك، ينتشر الاستعداد لإجراء مفاوضات (مع الطرف الأوكراني) بين السكان الروس الذين أنهكتهم الحرب".
وفي هذا السياق، نُظمت تجمعات في عدد من المدن الروسية رفعت خلالها الصلوات تكريمًا لعشرات ضحايا الضربة الأوكرانية، والتي خلقت صدمة مروعة وسيلا من الانتقادات من قبل المعلقين القوميين الذين يعتبر من أكبر مؤيدي الغزو الروسي لأوكرانيا. صدمة زاد من وقعها كون الضحايا من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم بعد الانتكاسات التي سجلت في الخريف. الحادث يأتي أيضا في سياق سلسلة من الهزائم التي منيت بها موسكو في الأشهر الماضية، خصوصا في خاركيف وخيرسون. وفي السياق نفسه اعترف رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال مقرب من فلاديمير بوتين، بأن الوضع الميداني صعب جدا في باخموت وقال إن الأوكرانيين حولوا "كل منزل إلى حصن".
دعم عسكري ألماني وغربي لأوكرانيا
في إعلان مشترك لكل من الرئيس الأمريكى جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس (الخامس من يناير 2023) صدر بعد مكالمة هاتفية بين الزعيمين، أعلنت برلين وواشنطن عزمهما مواصلة دعم كييف بالسلاح والعتاد، خصوصا بالعربات المدرعة. ووفقا للبيان، ستمنح ألمانياأوكرانيا بطارية للدفاع الجوي من طراز باتريوت. فيما سبق لواشنطن أن كييف بنظام باتريوت المضاد للطائرات. أما المدرعات الألمانية الخاصة بالمشاة التي ستتوصل بها أوكرانيا فهي من طراز مادرير. كما أكد الرئيس الأمريكي من جانبه أن بلاده تدرس توريد ناقلات جند مدرعة من طراز برادلي لأوكرانيا والتي تلقت بالفعل صواريخ مضادة للطائرات ومركبات نقل من بلدان غربية مختلفة. ويأتي الإعلان الأمريكي الألماني بعد قرار فرنسي ذهب في نفس الاتجاه. فقد أعلنت باريس بتزويد الجيش الأوكراني بناقلات استطلاع وُصفت بأنها "دبابات خفيفة".
يذكر أن كييف ما فتأت تطالب برلين، منذ بداية العدوان الروسي عليها، بتزويدها سال بمدرعات من طراز مادير وليوبارد (صنع ألماني فرنسي)، غير أن برلين ترددت في تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة. ووفق بيانات الحكومة الألمانية، فإن برلين قدمت دعما عسكريا لأوكرانيا قدره ملياري يور منذ بداية الحرب. وتسعى أوكرانيا لتعزيز ترسانتها العسكرية بسرعة تحسبا لما ترى أنه خطط عسكرية لموسكو لهجوم شامل مضاد. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دي ستاندارد" البلجيكية (الخامس من يناير 2023) "لقد وصل الصراع إلى طريق مسدود. موسكو تدمر البنية التحتية الأوكرانية بشكل منهجي. غير أن كييف باتت أكثر تحمسًا واستعدادا لأي هجوم مضاد وباتت تضرب أهدافًا عسكرية بشكل أكثر دقة، مما يؤدي إلى خسائر روسية كبيرة. غير أن الوضع يبدو وكأنه يراوح مكانه وأن لا أحد يمكنه حسم الحرب بشكل نهائي (..) موقف الغرب يبدو متناقضا، ذلك أن شحنات الأسلحة وأشكال الدعم الأخرى لأوكرانيا، لا تكفي لدفع الروس إلى ما وراء حدود عام 2014".
حسن زنيند