خطة أمريكية غير ليبرالية تنعش الأسواق وتعد بكبح المضاربات
١٩ سبتمبر ٢٠٠٨أدت الخطة التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية لإنقاذ البنوك المهددة بالانهيار إلى استعادة ملموسة للثقة في البورصات العالمية، التي شهدت ارتفاعا تراوح بين 4 و8 بالمائة اليوم الجمعة (19 سبتمبر/ أيلول 2008). وسجل مؤشر يورو ستوك، الذي يضم أهم خمسين شركة أوروبية أعلى المعدلات بحدود 7.7 بالمائة، مقابل أكثر من 5.3 بالمائة لمؤشر داكس، الذي يضم أهم 30 شركة ألمانية.
وفيما يتعلق بالخطة، أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش على ضرورة التحرك لمواجهة الأزمة المالية مشيرا إلى أن ذلك سيكلف مبالغ طائلة، وأضاف بوش أن " المهمة تنطوي على مخاطر، لكن الأموال سوف تستعاد ومعها الثقة بالاقتصاد الأمريكي وقوته". وسبقت كلمة بوش تصريحات لوزير المالية الأمريكي هنري باولسون، ذكر فيها أن الخطة تقوم على احتواء الأزمة من خلال شراء القروض التي لا يستطيع أصحابها الوفاء بها من البنوك المتعثرة وإدارة عملية التعويض عنها أو استرجاعها عن طريق هيئة حكومية تدعم مهام مجلس الاحتياط الاتحادي/ البنك المركزي وتواكبها. كما تقوم على تقديم ضمانات حكومية للمستثمرين الماليين في سوق الأوراق المالية، إضافة إلى حظر عمليات البيع السريع لهذه الأوراق في البورصات الأمريكية بهدف الحد من المضاربة. ويفترض أن تقوم الهيئة المنتظرة كذلك بإدارة المؤسسات المالية التي تم تأميمها أو شرائها من قبل الدولة.
هيئة لإدارة القروض الفاسدة
وتفيد المعلومات الأولية التي نقلتها وسائل الإعلام عن الخطة، التي لن ترى النور قبل موافقة الكونجرس/ مجلس الشيوخ الأمريكي عليها، أنها ستتضمن قيام الهيئة الجديدة بشراء الديون من المؤسسات المصرفية المهددة بالإفلاس نتيجة تراجع أسعار العقارات وعجز أصحابها عن سداد قروضهم. وستقوم الهيئة بإدارة هذه القروض والقيام بسدادها من أموال صندوق سيخصص لذلك. ويتوقع أن يصل حجم الأموال التي ستخصص لعمليات الشراء إلى 500 مليار دولار وفقا لما ذكرته شبكة سي.ان.بي.اس التلفزيونية. ويقيم معظم المراقبون فكرة تشكيل الهيئة بشكل إيجابي كونها ستساعد مجلس الاحتياط الاتحادي على الاهتمام بالسياسات النقدية بدلا من انشغاله بحالات طوارئ هدفت إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البنوك وشركات التأمين الأمريكية التي تعاني من أزمة الرهن العقاري.
مخاوف من تأثيرات سلبية على الاقتصاد
ويشبه المحللون خطة الإنقاذ هذه بخطط سابقة تم تطبيقها في السويد أوائل تسعينات القرن الماضي لإنقاذ مؤسسات مالية متعثرة آذاك. وقد كلفت عملية الإنقاذ هذه 6 بالمائة من الناتج المحلي للبلاد. وفي اليابان وصلت كلفة خطة إنقاذ خلال العقد الماضي إلى 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى ضوء ذلك يخشى مراقبون من ارتفاع تكاليف الخطة الأمريكية بشكل يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي، كونها ستمول من أموال الضرائب وفقا لما صرح به المحلل المالي الألماني فولكر هيلماير. غير أن تجارب سابقة تشير إلى أن تخصيص المبالغ لا يعني بالضرورة صرفها بالكامل لأن هناك الكثير من القروض التي يمكن استعادتها ولو جزئيا عن طريق تسييل أصول وموجودات عقارية وغير عقارية مرهونة للبنوك.
لكن المشكلة ليست فقط في المخاوف على النمو الاقتصادي، وإنما على السياسة الاقتصادية الليبرالية التي تتبعها الولايات المتحدة، فالتدخل الحكومي المباشر لإنقاذ بنوك وشركات تأمين خاصة يضعف شوكة المؤيدين لهذه السياسة التي تنادي بها واشنطن أكثر من أية عاصمة أخرى. ومن المعروف أن الحكومة الأمريكية كانت دائما من الرافضين لفرض قيود على المضاربات والتدخل للحد منها، على أساس أنه يخل بتكافؤ الفرص بين اللاعبين في السوق ويضعف روح المنافسة التي تحيي الأسواق وتنعشها. وعليه، فإن الخطوات الحالية لإدارة الرئيس بوش فاجأت الكثيرين أمثال جان كلود يونكر رئيس اجتماع وزراء المالية في منطقة اليورو، الذي عبر عن اندهاشه من رؤية "العالم الأنجلوساكسوني يتعامل مع الأزمات بهذه الطريقة"، في إشارة إلى قيام الحكومتين الأمريكية والبريطانية بتأميم بنوك وشركات تأمين لمنعها من الانهيار.
الخطة الإنقاذية أفضل الخيارات الموجودة
وعلى الرغم من المخاوف التي يبديها محللون أمثال هيلماير إزاء خطة الإنقاذ الجديدة فإن الغالبية توافق على أنه لا يوجد خيارات أخرى أفضل أمام الحكومة الأمريكية في الوقت الحالي، فترك الأمور عرضة لمزيد من الانهيارات البنكية والتدخلات الطارئة قد يكلف أضعاف ما تكلفه الخطة المقترحة التي سيتم تنفيذها على مدى طويل الأجل. وفي هذا السياق يعلق الخبير الألماني روبرت هالفر قائلاً إن خطة الإنقاذ تعني إعطاء الأولوية لإعادة الثقة والاستقرار إلى الأسواق، ويضيف : "ربما تكون هذه أكبر عملية استسلام لنظام مالي، لكن البديل سيعني ركود اقتصادي من الصعب حصر تبعاته".